الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين

                                                                                                                                                                                                [ ص: 189 ] كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : شاعر ، وروي أن القائل : عقبة بن أبي معيط ، فقيل : وما علمناه الشعر أي : وما علمناه بتعليم القرآن الشعر ، على معنى : أن القرآن ليس بشعر وما هو من الشعر في شيء ، وأين هو عن الشعر ، والشعر إنما هو كلام موزون مقفى ، يدل على معنى ، فأين الوزن ؟ وأين التقفية ؟ وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء عن معانيه ؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه ؟ فإذا لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت ، اللهم إلا أن هذا لفظه عربي ، كما أن ذاك كذلك وما ينبغي له وما يصح له ولا يتطلب لو طلبه ، أي : جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل ، كما جعلناه أميا لا يتهدى للخط ولا يحسنه ، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض . وعن الخليل : كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ، ولكن كان لا يتأتى له . فإن قلت : فقوله :


                                                                                                                                                                                                أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب



                                                                                                                                                                                                وقوله :


                                                                                                                                                                                                هل أنت إلا أصبع دميت     وفى سبيل الله ما لقيت



                                                                                                                                                                                                [ ص: 190 ] قلت : ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة ، من غير صنعة ولا تكلف ، إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه إن جاء موزونا ، كما يتفق في كثير من إنشاآت الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعرا ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر ، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز ، على أن الخليل ما كان يعد المشطور من الرجز شعرا ، ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر ، قال : إن هو إلا ذكر وقرآن مبين يعني : ما هو إلا ذكر من الله تعالى يوعظ به الإنس والجن ، كما قال : إن هو إلا ذكر للعالمين [التكوير : 27 ] وما هو إلا قرآن كتاب سماوي ، يقرأ في المحاريب ، ويتلى في المتعبدات ، وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين ، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين ؟ "لينذر " القرآن أو الرسول ، وقرئ : (لتنذر ) بالتاء . ولينذر : من نذر به إذا علمه من كان حيا أي عاقلا متأملا ; لأن الغافل كالميت ، أو معلوما منه أنه يؤمن فيحيا بالإيمان ويحق القول وتجب كلمة العذاب على الكافرين الذي لا يتأملون ولا يتوقع منهم الإيمان .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية