الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولو ترى إذ فزعوا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : ولو ترى إذ فزعوا قال : في الدنيا عند الموت، حين عاينوا الملائكة ورأوا بأس الله، وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد قال : لا سبيل لهم إلى الإيمان، كقوله : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده [غافر : 84]، وقد كفروا به من قبل قال : قد كانوا يدعون إليه وهم في دعة ورخاء فلم يؤمنوا به، ويقذفون بالغيب يرجمون بالظن؛ يقولون : إنه لا جنة ولا نار ولا بعث . وحيل بينهم وبين ما يشتهون قال : اشتهوا طاعة الله لو أنهم عملوا بها، فحيل بينهم وبين ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : ولو ترى إذ فزعوا قال : يوم القيامة، فلا فوت قال : لم يفوتوا ربك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : ولو ترى إذ فزعوا . قال : في القبور من الصيحة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : ولو ترى إذ فزعوا الآية . قال : هذا يوم بدر حين ضربت أعناقهم، فعاينوا العذاب فلم يستطيعوا فرارا من [ ص: 233 ] العذاب ولا رجوعا إلى التوبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك : ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت قال : هي يوم بدر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد : ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت . قال : هم قتلى المشركين من أهل بدر، نزلت فيهم هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : فلا فوت قال : فلا نجاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله : ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب قال : هو جيش السفياني . قيل : من أين أخذوا؟ قال : من تحت أقدامهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عطية في قوله : ولو ترى إذ فزعوا الآية . قال : قوم خسف بهم، أخذوا من تحت أقدامهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يبعث ناس إلى المدينة حتى إذا كانوا ببيداء بعث الله عليهم جبريل فضربهم برجله ضربة، فيخسف الله بهم، فذلك قوله : ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 234 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير : ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت قال : هم الجيش الذين يخسف بهم بالبيداء يبقى منهم رجل يخبر الناس بما لقي أصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد عن ابن معقل : ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت قال : أخذوا فلم يفوتوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن بقيرة، امرأة القعقاع بن أبي حدرد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم بجيش قد خسف به، فقد أظلت الساعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ومسلم والحاكم عن حفصة أم المؤمنين : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بأوسطهم فينادي أولهم آخرهم فيخسف بهم خسفا فلا ينجو إلا [ ص: 235 ] الشريد الذي يخبر عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن حفصة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلا من أهل مكة حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم فيصيبهم ما أصابهم، قلت : يا رسول الله، فكيف بمن كان مستكرها؟ قال : يصيبهم كلهم ذلك، ثم يبعث الله كل امرئ على نيته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن صفية أم المؤمنين قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت حتى يغزوه جيش حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بأولهم وآخرهم ولم ينج أوسطهم . قلت : يا رسول الله أرأيت المكره منهم؟ قال : يبعثهم الله على ما في أنفسهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والبخاري ومسلم ، عن عائشة قالت : بينما رسول [ ص: 236 ] الله صلى الله عليه وسلم نائم . إذ ضحك في منامه ثم استيقظ فقلت : يا رسول الله مم ضحكت؟ قال : إن أناسا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش قد استعاذ بالحرم، فلما بلغوا البيداء خسف بهم، مصادرهم شتى، يبعثهم الله على نياتهم . قلت : وكيف يبعثهم الله عز وجل على نياتهم ومصادرهم شتى؟ قال : جمعهم الطريق، منهم المستبصر وابن السبيل والمجبور يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه، عن أم سلمة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يعوذ عائذ بالحرم فيبعث إليه بجيش، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم . قلت : يا رسول الله فكيف بمن يخرج كارها؟ قال : يخسف به معهم ولكنه يبعث على نيته يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني والحاكم عن أم سلمة قالت : [ ص: 237 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يبايع لرجل من أمتي بين الركن والمقام كعدة أهل بدر، فيأتيه عصب العراق وأبدال الشام فيأتيهم جيش من الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، ثم يسير إليه رجل من قريش أخواله كلب، فيهزمهم الله . قال : وكان يقال : إن الخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المحروم من حرم غنيمة كلب ولو عقالا، والذي نفسي بيده لتباعن نساؤهم على درج دمشق حتى ترد المرأة من كسر يوجد بساقها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تنتهي البعوث عن غزو بيت الله حتى يخسف بجيش منهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في ذي القعدة تجاذب القبائل وعامئذ ينهب الحاج، فتكون [ ص: 238 ] ملحمة بمنى حتى يهرب صاحبهم، فيبايع بين الركن والمقام وهو كاره يبايعه مثل عدة أهل بدر، يرضى عنهم ساكن السماء وساكن الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج رجل يقال له : السفياني . في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان، فيجمع لهم قيس، فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جندا من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحذركم سبع فتن؛ فتنة تقبل من المدينة وفتنة بمكة وفتنة من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة تقبل من المغرب، وفتنة من بطن الشام وهي السفياني، فقال ابن مسعود : منكم من يدرك أولها، ومن هذه الأمة من يدرك آخرها . قال الوليد بن عياش : فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة مكة فتنة ابن الزبير، وفتنة الشام من قبل بني أمية وفتنة المشرق من [ ص: 239 ] قبل هؤلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب قال : فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فوره ذلك، حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين؛ جيشا إلى المشرق، وجيشا إلى المدينة، حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف، ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام، فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش منها على ليلتين فيقتلونهم، لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم، ويخلي جيشه الثاني بالمدينة، فينتهبونها ثلاثة أيام ولياليها،ثم يخرجون متوجهين إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبريل فيقول : يا جبريل اذهب فأبدهم . فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم، فذلك قوله عز وجل في سورة "سبأ" : ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت الآية . فلا ينفلت منهم إلا رجلان؛ أحدهما بشير والآخر نذير، وهما من جهينة " . فلذلك جاء القول : . . . . . . . .

                                                                                                                                                                                                                                      وعند جهينة الخبر اليقين



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 240 ] -

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية