الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3530 [ ص: 484 ] باب النية في الأعمال

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما الأعمال بالنية "، وأنه يدخل فيه الغزو وغيره، من الأعمال) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 53 - 54 جـ 13 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عمر بن الخطاب ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى . فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه؛ (قال: قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: " إنما الأعمال بالنية ".) قال جماهير العلماء؛ من أهل العربية، والأصول، وغيرهم: لفظة " إنما ": موضوعة للحصر، تثبت المذكور وتنفي ما سواه. فتقدير هذا الحديث: أن الأعمال تحسب بنية، ولا تحسب إذا كانت بلا نية.

                                                                                                                              قال النووي : وفيه دليل على أن الطهارة، وهي الوضوء والغسل [ ص: 485 ] والتيمم؛ لا تصح إلا بالنية. وكذلك الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والاعتكاف، وسائر العبادات.

                                                                                                                              قال: وأما إزالة النجاسات، فالمشهور عندنا: أنها لا تفتقر إلى نية. لأنها من باب التروك. والترك لا يحتاج إلى نية. وقد نقلوا الإجماع فيها. وأوجبها بعض أصحابنا. وهو باطل.

                                                                                                                              قال: وتدخل النية في الطلاق، والعتاق، والقذف. ومعنى دخولها: أنها إذا قارنت كناية، صارت كالصريح.

                                                                                                                              وإن أتى بصريح طلاق، ونوى طلقتين، أو ثلاثا: وقع ما نوى.

                                                                                                                              وإن نوى بالصريح غير مقتضاه، دين فيما بينه وبين الله تعالى. ولا يقبل منه في الظاهر. والله أعلم.

                                                                                                                              (وإنما لامرئ ما نوى) . قالوا: فائدة ذكره بعد " إنما الأعمال بالنية": بيان أن تعيين المنوي شرط. فلو كان على إنسان صلاة مقضية، لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة. بل يشترط أن ينوي كونها ظهرا، وغيرها. ولولا اللفظ الثاني، لاقتضى الأول: صحة النية بلا تعيين، أو أوهم ذلك.

                                                                                                                              (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله) .

                                                                                                                              أي: من قصد بهجرته " وجه الله ": وقع أجره على الله.

                                                                                                                              [ ص: 486 ] (ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) أي: ومن قصد بها دنيا، أو امرأة: فهي حظه، ولا نصيب له في الآخرة، بسبب هذه الهجرة.

                                                                                                                              وأصل الهجرة: " الترك ". والمراد هنا: ترك الوطن. وذكر المرأة مع الدنيا، يحتمل وجهين؛ أحدهما: أنه جاء أن سبب هذا الحديث: أن رجلا هاجر، ليتزوج امرأة يقال لها: " أم قيس ". فقيل له: " مهاجر أم قيس ".

                                                                                                                              والثاني: أنه للتنبيه على زيادة التحذير من ذلك. وهو من باب ذكر الخاص بعد العام؛ تنبيها على مزيته. والله أعلم.

                                                                                                                              قال النووي : أجمع المسلمون: على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وصحته. قال الشافعي وآخرون: هو ثلث الإسلام. وقال الشافعي : يدخل في سبعين بابا من الفقه. وقال آخرون: هو ربع الإسلام.

                                                                                                                              وقال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: ينبغي لمن صنف كتابا أن يبدأ فيه بهذا الحديث؛ تنبيها للطالب على تصحيح النية. ونقل الخطابي هذا عن الأئمة مطلقا. وقد فعل ذلك البخاري وغيره؛ فابتدأوا به قبل كل شيء. وذكره البخاري في سبعة مواضع من كتابه.

                                                                                                                              قال الحفاظ: ولم يصح هذا الحديث، عن النبي صلى الله عليه [ ص: 487 ] وآله وسلم: إلا من رواية عمر بن الخطاب. ولا عن عمر: إلا من رواية علقمة بن وقاص. ولا عن علقمة: إلا من رواية محمد بن إبراهيم التيمي. ولا عن محمد: إلا من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري. وعن يحيى انتشر؛ فرواه عنه أكثر من مائتي إنسان، أكثرهم أئمة.

                                                                                                                              ولهذا قال الأئمة: ليس هو متواترا، وإن كان مشهورا عند الخاصة والعامة. لأنه فقد شرط التواتر في أوله.

                                                                                                                              وفيه " طرفة " من طرف الإسناد: فإنه رواه ثلاثة تابعيون، بعضهم عن بعض: يحيى، ومحمد، وعلقمة.

                                                                                                                              انتهى كلام " النووي " رحمه الله تعالى.

                                                                                                                              وهذا الحديث: له شرح طويل، في كتب شروح الحديث. وقد أطلنا الكلام عليه، في شرحنا لتجريد البخاري، المسمى: " بعون الباري ". وشرحه العلامة " ابن رجب "، في شرح الأربعين للنووي. وكذا غيره، في غيره.

                                                                                                                              وهو من الأحاديث المباركة، الجامعة لأنواع من العلوم والفقهيات، لا غنى عن بركته لأحد من أهل الإسلام.




                                                                                                                              الخدمات العلمية