الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يافرعون مثبورا

قوله تعالى : قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء يعني الآيات التسع . وأنزل بمعنى أوجد .

إلا رب السماوات والأرض بصائر أي دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته . وقراءة العامة علمت بفتح التاء ، خطابا لفرعون . وقرأ الكسائي بضم التاء ، وهي قراءة علي - رضي الله عنه - ; وقال : والله ما علم عدو الله ولكن موسى هو الذي يعلم ، فبلغت ابن عباس فقال : إنها " لقد علمت " ، واحتج بقوله - تعالى - : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا . ونسب فرعون إلى العناد . وقال أبو عبيد : والمأخوذ به عندنا فتح التاء ، وهو الأصح للمعنى الذي احتج به ابن عباس ; ولأن موسى لا يحتج بقوله : علمت أنا ، وهو الرسول الداعي ، ولو كان مع هذا كله تصح به القراءة عن علي لكانت حجة ، ولكن لا تثبت عنه ، إنما هي عن كلثوم المرادي وهو مجهول لا يعرف ، ولا نعلم أحدا قرأ بها غير الكسائي . وقيل : إنما أضاف موسى إلى فرعون العلم بهذه المعجزات ; لأن فرعون قد علم مقدار ما يتهيأ للسحرة فعله ، وأن مثل ما فعل موسى لا يتهيأ لساحر ، وأنه لا يقدر على فعله إلا من يفعل الأجسام ويملك السماوات والأرض . وقال مجاهد : دخل موسى على فرعون في يوم شات وعليه قطيفة له ، فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان ، فرأى فرعون جانبي البيت بين فقميها ، ففزع وأحدث في قطيفته .

وإني لأظنك يافرعون مثبورا الظن هنا بمعنى التحقيق . والثبور : الهلاك والخسران أيضا . قال الكميت : [ ص: 303 ]

ورأت قضاعة في الأيا من رأي مثبور وثابر



أي مخسور وخاسر ، يعني في انتسابها إلى اليمن . وقيل : ملعونا . رواه المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس . وقاله أبان بن تغلب . وأنشد :


يا قومنا لا تروموا حربنا سفها     إن السفاه وإن البغي مثبور



أي ملعون . وقال ميمون بن مهران عن ابن عباس : مثبورا ناقص العقل . ونظر المأمون رجلا فقال له : يا مثبور ; فسأل عنه قال . قال الرشيد قال المنصور لرجل : مثبور ; فسألته فقال : حدثني ميمون بن مهران . . . فذكره . وقال قتادة هالكا . وعنه أيضا والحسن ومجاهد . مهلكا . والثبور : الهلاك ; يقال : ثبر الله العدو ثبورا أهلكه . وقيل : ممنوعا من الخير حكى أهل اللغة : ما ثبرك عن كذا أي ما منعك منه . وثبره الله ثبرا . قال ابن الزبعرى :

إذ أجاري الشيطان في سنن الغ     ي ومن مال ميله مثبور



الضحاك : مثبورا مسحورا . رد عليه مثل ما قال له باختلاف اللفظ . وقال ابن زيد : مثبورا مخبولا لا عقل له .

التالي السابق


الخدمات العلمية