الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون

                                                                                                                                                                                                                                        (45) أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل [ ص: 61 ] أمر من الأمور وإنها أي: الصلاة لكبيرة أي: شاقة إلا على الخاشعين فإنها سهلة عليهم خفيفة; لأن الخشوع، وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فعلها، منشرحا صدره لترقبه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعي له يدعوه إليها، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه.

                                                                                                                                                                                                                                        والخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته، وسكونه لله تعالى، وانكساره بين يديه، ذلا وافتقارا، وإيمانا به وبلقائه.

                                                                                                                                                                                                                                        ولهذا قال:

                                                                                                                                                                                                                                        (46) الذين يظنون أي: يستيقنون أنهم ملاقو ربهم فيجازيهم بأعمالهم وأنهم إليه راجعون فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات، ونفس عنهم الكربات، وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه.

                                                                                                                                                                                                                                        (47) ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته، وعظا لهم، وتحذيرا وحثا.

                                                                                                                                                                                                                                        (48) وخوفهم بيوم القيامة الذي لا تجزي فيه، أي: لا تغني نفس ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين عن نفس ولو كانت من العشيرة الأقربين شيئا لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه.

                                                                                                                                                                                                                                        ولا يقبل منها أي: النفس، شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له، ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة، ولا يؤخذ منها عدل أي: فداء ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب ولا يقبل منهم ذلك ولا هم ينصرون أي: يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله: لا تجزي نفس عن نفس شيئا هذا في تحصيل المنافع، ولا هم ينصرون هذا في دفع المضار، فهذا النفي للأمر المستقل به النافع.

                                                                                                                                                                                                                                        ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض، كالعدل، أو بغيره، كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين، لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع، وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع، ويدفع المضار، فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته. [ ص: 62 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية