الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 182 ] سورة التوبة

1- براءة من الله ورسوله أي تبرؤ من الله ورسوله إلى من كان له عهد من المشركين.

2- فسيحوا في الأرض أربعة أشهر أي اذهبوا آمنين أربعة أشهر أو أقل [من كانت مدة عهده إلى أكثر من أربعة أشهر أو أقل] فإن أجله أربعة أشهر .

3- وأذان من الله ورسوله أي إعلام. ومنه أذان الصلاة إنما هو إعلام بها. يقال: آذنتهم إيذانا فأذنوا إذنا. والأذن اسم مبني منه.

الحج الأكبر يوم النحر . وقال بعضهم: يوم عرفة. وكانوا يسمون العمرة: الحج الأصغر .

4- ولم يظاهروا عليكم أحدا أي: لم يعينوه والظهير: العون.

فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم يريد: وإن كانت أكثر من أربعة أشهر. هؤلاء بنو ضمرة خاصة . [ ص: 183 ]

5- فإذا انسلخ الأشهر الحرم وآخرها المحرم .

فاقتلوا المشركين يعني من لم يكن له عهد.

وخذوهم أي: أسروهم. والأسير: أخيذ.

واحصروهم احبسوهم. والحصر: الحبس

كل مرصد أي: كل طريق يرصدونكم به.

8- و ( الإل ) : العهد ويقال: القرابة، ويقال: الله جل ثناؤه . و (الذمة : العهد.

16- ( الوليجة ) : البطانة من غير المسلمين، وأصله من الولوج. وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا وودا .

* * * [ ص: 184 ]

28- إنما المشركون نجس أي: قذر.

وإن خفتم عيلة أي: فقرا بتركهم الحمل إليكم التجارات، فسوف يغنيكم الله من فضله

29- حتى يعطوا الجزية عن يد يقال: أعطاه عن يد وعن ظهر يد: إذا أعطاه مبتدئا غير مكافئ .

30- يضاهئون قول الذين كفروا من قبل أي: يشبهون. يريد أن من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قاله أولوهم.

31- اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله يريد: أنهم كانوا يحلون لهم الشيء فيستحلونه. ويحرمون عليهم الشيء فيحرمونه.

* * *

36- إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم [ ص: 185 ] ثم قال: ذلك الدين القيم أي: الحساب الصحيح والعدد المستوي. والأربعة الحرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. ورجب الشهر الأصم.

وقال قوم: هي الأربعة الأشهر التي أجلها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المشركين فقال: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. واحتجوا بقوله: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وأنكروا أن يكون رجب منها. وكانت العرب تعظم رجب وتسميه منصل الأسنة ومنصل الأل; لأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه والأل وهي الحراب . ويسمونه أيضا: شهر الله الأصم; لأنهم كانوا لا يحاربون فيه لأنه محرم عليه. ولا يسمع فيه تداعي القبائل أو قعقعة السلاح. قال الأعشى:


تداركه في منصل الأل بعدما ... مضى غير دأداء وقد كاد يذهب



وقال حميد بن ثور يصف إبلا:


رعينا المرار الجون من كل مذنب ...     شهور جمادى كلها والمحرما

[ ص: 186 ] يريد بالمحرم رجبا.

وأما قوله: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فإنما عنى الثلاثة منها; لأنها متوالية لا أنه جعل فيها شوالا وأخرج رجبا.

ويقال: إن الأربعة الأشهر التي أجلها رسول الله المشركين من عشر ذي الحجة إلى عشر ربيع الآخر وسماها حرما لأن الله حرم فيها قتالهم وقتلهم.

37- و النسيء نسء الشهور، وهو تأخيرها . وكانوا يؤخرون تحريم المحرم منها سنة، ويحرمون غيره مكانه لحاجتهم إلى القتال فيه، ثم يردونه إلى التحريم في سنة أخرى. كأنهم يستنسئون ذلك ويستقرضونه.

ليواطئوا أي ليوافقوا.

عدة ما حرم الله يقول: إذا حرموا من الشهور عدد الشهور المحرمة لم [يبالوا] أن يحلوا الحرام ويحرموا الحلال.

38- اثاقلتم إلى الأرض أراد تثاقلتم فأدغم التاء في الثاء وأحدث الألف ليسكن ما بعدها. وأراد: قعدتم ولم تخرجوا [وركنتم] إلى المقام.

40- فأنزل الله سكينته عليه السكينة: السكون والطمأنينة. (عليه قال قوم: على أبي بكر واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مطمئنا يقول لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا والمذعور صاحبه فأنزل الله السكينة.

وأيده أي قواه بملائكة. قال الزهري الغار في جبل يسمى "ثورا" ومكثا فيه ثلاثة أيام. [ ص: 187 ]

41- انفروا خفافا وثقالا أي: لينفر منكم من كان مخفا ومثقلا. و"المخف": يجوز أن يكون: الخفيف الحال، ويكون: الخفيف الظهر من العيال. و"المثقل": يجوز أن يكون: الغني. [ويجوز أن يكون الكثير العيال] .

ويجوز أن يكون [المعنى] شبابا وشيوخا. والله أعلم بما أراد. وقد ذهب المفسرون إلى نحو مما ذهبنا إليه .

42- الشقة السفر.

47- ما زادوكم إلا خبالا أي شرا. [والخبال] والخبل: الفساد.

ولأوضعوا خلالكم من الوضع، وهو سرعة السير. يقال: وضع البعير وأوضعته إيضاعا. والوجيف: مثله. و خلالكم فيما بينكم.

يبغونكم الفتنة يعني الشرك .

وفيكم سماعون لهم يعني المنافقين يسمعون ما يقولون ويقبلونه.

50- إن تصبك حسنة تسؤهم أي ظفر. [ ص: 188 ] وإن تصبك مصيبة أي نكبة يفرحوا بها و يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي أخذنا الوثيقة فلم نخرج.

52- إحدى الحسنيين الشهادة. والأخرى: الغنيمة.

57- أو مدخلا أي: مدخلا يدخلونه.

لولوا إليه أي لرجعوا عنك إليه.

وهم يجمحون أي: يسرعون [روغانا عنك] ومنه قيل: فرس جموح إذا ذهب في عدوه فلم يثنه شيء.

58- ومنهم من يلمزك في الصدقات يعيبك ويطعن عليك . يقال: همزت فلانا ولمزته. إذا اغتبته وعبته [ومنه قوله تعالى] : ويل لكل همزة لمزة .

* * *

60- إنما الصدقات للفقراء وهم ضعفاء الأحوال الذين لهم البلغة من العيش.

والمساكين الذين ليس لهم شيء. قال قتادة الفقير: الذي به زمانة; والمسكين: الصحيح المحتاج.

والعاملين عليها أي عمال الصدقة وهم السعاة. [ ص: 189 ] والمؤلفة قلوبهم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفهم على الإسلام .

وفي الرقاب أي المكاتبين. أراد: فك الرقاب من الرق.

والغارمين من عليه الدين ولا يجد قضاء. وأصل الغرم: الخسران. ومنه قيل في الرهن: له غنمه وعليه غرمه. أي ربحه له وخسرانه أو هلاكه عليه. فكأن الغارم هو الذي خسر ماله. والخسران: النقصان. ويكون الهلاك. قال الله عز وجل: الذين خسروا أنفسهم وأهليهم وقد يشتق من الغرم اسم للهلاك خاصة. من ذلك قوله: إن عذابها كان غراما أي هلاكا. ومنه يقال: فلان مغرم بالنساء أي مهلك بهن. ويقال: ما أشد غرامه بالنساء وإغرامه، أي هلاكه بحبهن.

61- ويقولون هو أذن أي يقبل كل ما قيل له.

قل أذن خير لكم أي يقبل منكم ما تقولون له خيرا لكم إن كان ذاك كما تقولون ولكنه يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين أي يصدق الله ويصدق المؤمنين .

67- نسوا الله فنسيهم أي تركوا أمر الله فتركهم. [ ص: 190 ]

69- فاستمتعوا بخلاقهم أي استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا.

70- والمؤتفكات مدائن قوم لوط; لأنها ائتفكت أي انقلبت .

73- جاهد الكفار بالسيف.

والمنافقين بالقول الغليظ.

74- وقوله: وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله أي: ليس ينقمون شيئا ولا يعرفون من الله إلا الصنع [الجميل] وهذا كقول الشاعر:


ما نقم الناس من أمية إلا ...     أنهم يحلمون إن غضبوا


وأنهم سادة الملوك فلا ...     تصلح إلا عليهم العرب



وهذا ليس مما ينقم. وإنما أراد أن الناس لا ينقمون عليهم شيئا.

وكقول النابغة:


ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ...     بهن فلول من قراع الكتائب



أي ليس فيهم عيب.

79- الذين يلمزون المطوعين أي: يعيبون المتطوعين بالصدقة.

والذين لا يجدون إلا جهدهم أي: طاقتهم. والجهد الطاقة، والجهد: المشقة. يقال: فعلت ذاك بجهد. أي: بمشقة.

سخر الله منهم أي: جزاهم جزاء السخرية. [ ص: 191 ]

83- فاقعدوا مع الخالفين واحدهم خالف وهو من يخلف الرجل في ماله وبيته .

86- استأذنك أولو الطول منهم أي: ذوو الغنى والسعة.

87- رضوا بأن يكونوا مع الخوالف يقال: النساء . ويقال: هم خساس الناس وأدنياؤهم. يقال: فلان خالفة أهله: إذا كان دونهم.

90-[ المعذرون هم] الذين لا يجدون إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوه . يقال: عذرت في الأمر إذا قصرت وأعذرت حذرت.

ويقال: المعذرون هم المعتذرون. أدغمت التاء في الذال. ومن قرأ "المعذرون" . فإنه من أعذرت في الأمر.

98- يتخذ ما ينفق مغرما أي غرما وخسرانا.

ويتربص بكم الدوائر دوائر الزمان بالمكروه. ودوائر الزمان: صروفه التي تأتي مرة بالخير ومرة بالشر.

99- وصلوات الرسول دعاؤه. [ ص: 192 ] وكذلك قوله وصل عليهم أي: ادع لهم إن صلاتك سكن لهم أي: دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة .

101- سنعذبهم مرتين بالقتل والأسر . وقال الحسن: عذاب الدنيا وعذاب القبر.

104- ويأخذ الصدقات أي: يقبلها. ومثله: خذ العفو أي: اقبله.

106- وآخرون مرجون لأمر الله أي: مؤخرون على أمره .

107- مسجدا ضرارا أي: مضارة.

وإرصادا أي: ترقبا بالعداوة، يقال: رصدته بالمكافأة أرصده، إذا ترقبته. وأرصدت له في العداوة، وقال أبو زيد: رصدته بالخير وغيره أرصده رصدا وأنا راصده. وأرصدت له بالخير وغيره إرصادا وأنا مرصد له.

وقال ابن الأعرابي: أرصدت له بالخير والشر جميعا بالألف .

109- على شفا جرف هار أي: على حرف جرف هائر.

والجرف: ما ينجرف بالسيول من الأودية.

والهائر: الساقط، ومنه يقال: تهور البناء: إذا سقط وانهار. [ ص: 193 ]

112- السائحون الصائمون . وأصل السائح: الذاهب في الأرض. ومنه يقال: ماء سائح وسيح: إذا جرى وذهب. والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات. فشبه الصائم به. لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب والنكاح.

114- ( الأواه ) المتأوه حزنا وخوفا. قال المثقب العبدي وذكر ناقته:


إذا ما قمت أرحلها بليل ...     تأوه آهة الرجل الحزين



117- يزيغ قلوب فريق منهم أي: تعدل وتميل.

118- ضاقت عليهم الأرض بما رحبت أي: بما اتسعت. يريد: ضاقت عليهم مع سعتها.

وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه أي: استيقنوا أن لا ينجيهم من الله ومن عذابه غيره شيء.

120- و ( المخمصة ) : المجاعة. وهو الخمص.

122- لينفروا كافة أي: جميعا.

فلولا نفر من كل فرقة أي: هلا نفر!

125- فزادتهم رجسا إلى رجسهم أي: كفرا إلى كفرهم.

128- عزيز عليه ما عنتم أي: شديد عليه ما أعنتكم وضركم .

التالي السابق


الخدمات العلمية