الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      23- وقوله: (التي وقودها الناس والحجارة)

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 57 ] و"الوقود": الحطب. و "الوقود": الاتقاد وهو الفعل. يقرأ : (الوقود) و : (الوقود) ويكون أن يعنى بها الحطب، ويكون أن يعنى بها الفعل. ومثل ذلك "الوضوء" وهو: الماء، و "الوضوء" وهو الفعل، وزعموا أنهما لغتان في معنى واحد.

                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) فجر "جنات" وقد وقعت عليها "أن" لأن كل جماعة في آخرها تاء زائدة تذهب في الواحد أو في تصغيره فنصبها: جر، ألا ترى أنك تقول: "جنه" فتذهب التاء. وقال: (خلق السماوات والأرض) و "السماوات" جر، و "الأرض" نصب لأن التاء زائدة. ألا ترى أنك تقول: "سماء"، و : (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا) لأن هذه ليست تاء إنما هي هاء صارت تاء بالاتصال، وإنما تكون تلك في السكوت. ألا ترى أنك تقول: "رأيت ساده" فلا يكون فيها تاء. ومن قرأ : (أطعنا ساداتنا) [ ص: 58 ] جر لأنك إذا قلت: "سيد" ذهبت التاء. وتكون في السكت فيها تاء، تقول: "رأيت سادات".

                                                                                                                                                                                                                      وإنما جروا هذا في النصب ليجعل جره ونصبه واحدا، كما جعل تذكيره في الجر والنصب واحدا، تقول: "مسلمين و "صالحين" نصبه وجره بالياء. وقوله: (بيوتا غير بيوتكم) و : (لا ترفعوا أصواتكم) فإن التاء من أصل الكلمة تقول: "صوت" و "صويت" فلا تذهب التاء، و "بييت" فلا تذهب التاء. وتقول: "رأيت بيوتات العرب" فتجر؛ لأن التاء الآخرة زائدة لأنك تقول: "بيوت" فتسقط التاء الآخرة. وتقول: "رأيت ذوات مال" لأن التاء زائدة، وذلك لأنك لو سكت على الواحدة لقلت: "ذاه" ولكنها وصلت بالمال فصارت تاء ولا يتكلم بها إلا مع المضاف إليه.

                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها) لأنه في معنى "جيئوا به" وليس في معنى "أعطوه". فأما قوله: (متشابها) فليس أنه أشبه بعضه بعضا ولكنه متشابه في الفضل. أي كل واحد له من الفضل في نحوه مثل الذي للآخر في نحوه.

                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (إن الله لا يستحيي أن) فـ "يستحيي" لغة أهل الحجاز بياءين، وبنو تميم يقولون "يستحي"،

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 59 ] بياء واحدة، والأولى هي الأصل؛ لأن ما كان من موضع لامه معتلا لم يعلوا عينه. ألا ترى أنهم قالوا: "حييت" و "حويت"، فلم تعل العين. ويقولون: "قلت" و "بعت" فيعلون العين لما لم تعل اللام، وإنما حذفوا لكثرة استعمالهم هذه الكلمة؛ كما قالوا "لم يك" و "لم يكن" و "لا أدر" و "لا أدري".

                                                                                                                                                                                                                      وقال: (مثلا ما بعوضة) لأن "ما" زائدة في الكلام وإنما هو إن الله لا يستحيي أن يضرب بعوضة مثلا". وناس من بني تميم يقولون : (مثلا ما بعوضة) يجعلون (ما) بمنزلة "الذي" ويضمرون "هو" كأنهم قالوا: "لا يستحيي أن يضرب مثلا الذي هو بعوضة" يقول: "لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلا. وقوله: (فما فوقها) قال بعضهم: "أعظم منها" وقال بعضهم: كما تقول: "فلان صغير" فيقول: "وفوق ذاك " يريد: "أصغر من ذلك".

                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (ماذا أراد الله بهذا مثلا)

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 60 ] فيكون "ذا" بمنزلة "الذي". ويكون "ماذا" اسما واحدا إن شئت بمنزلة "ما" كما قال: (ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) فلو كانت "ذا" بمنزلة "الذي" لقالوا "خير" ولكان الرفع وجه الكلام. وقد يجوز فيه النصب؛ لأنه لو قال "ما الذي قلت"؟ لقلت "خيرا" أي: "قلت خيرا" لجاز. ولو قلت: "ما قلت؟": "فقلت: "خير" أي: "الذي قلت خير" لجاز، غير أنه ليس على اللفظ الأول كما يقول بعض العرب إذا قيل له: "كيف أصبحت"؟ قال: "صالح" أي: "أنا صالح". ويدلك على أن "ماذا" اسم واحد قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                      (30) دعي ماذا علمت سأتقيه ولكن بالمغيب نبئيني

                                                                                                                                                                                                                      فلو كانت "ذا" ها هنا بمعنى (الذي) لم يكن كلاما.

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية