الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

                                                                                                                                                                                                                                      الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا

                                                                                                                                                                                                                                      نفى الحب كناية عن البغض ، وقراءة الجمهور إلا من ظلم على البناء للمجهول ، وقرأ زيد بن أسلم ، وابن أبي إسحاق ، والضحاك ، وابن عباس ، وابن جبير ، وعطاء بن السائب ( إلا من ظلم ) على البناء للمعلوم ، وهو على القراءة الأولى استثناء متصل بتقدير مضاف محذوف ؛ أي : إلا جهر من ظلم ، وقيل : إنه على القراءة الأولى أيضا منقطع ؛ أي : لكن من ظلم فله أن يقول : ظلمني فلان .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف أهل العلم في كيفية الجهر بالسوء الذي يجوز لمن ظلم ، فقيل : هو أن يدعو على من ظلمه ، وقيل : لا بأس أن يجهر بالسوء من القول على من ظلمه بأن يقول : فلان ظلمني أو هو ظالم أو نحو ذلك ، وقيل : معناه : إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول من كفر أو نحوه فهو مباح له ، والآية على هذا في الإكراه ، وكذا قال قطرب ، قال : ويجوز أن يكون على البدل كأنه قال : لا يحب الله إلا من ظلم ؛ أي : لا يحب الظالم بل يحب المظلوم ، والظاهر من الآية أنه يجوز لمن ظلم أن يتكلم بالكلام الذي هو من السوء في جانب من ظلمه ، ويؤيده الحديث الثابت في الصحيح بلفظ لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته وأما على القراءة الثانية فالاستثناء منقطع ؛ أي : إلا من ظلم في فعل أو قول فاجهروا له بالسوء من القول في معنى النهي عن فعله والتوبيخ له .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قوم : معنى الكلام : لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول ، لكن من ظلم فإنه يجهر بالسوء ظلما وعدوانا وهو ظالم في ذلك ، وهذا شأن كثير من [ ص: 340 ] الظلمة فإنهم مع ظلمهم يستطيلون بألسنتهم على من ظلموه وينالون من عرضه ، وقال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم فقال سوءا ، فإنه ينبغي أن يأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الأول وكان الله سميعا عليما هذا تحذير للظالم بأن الله يسمع ما يصدر منه ويعلم به ، ثم بعد أن أباح للمظلوم أن يجهر بالسوء ندب إلى ما هو الأولى والأفضل ،

                                                                                                                                                                                                                                      فقال : إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء تصابون به فإن الله كان عفوا عن عباده قديرا على الانتقام منهم بما كسبت أيديهم فاقتدوا به سبحانه فإنه يعفو مع القدرة ، وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول قال : لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه رخص له أن يدعو على من ظلمه وأن يصبر فهو خير له .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في الآية قال : نزلت في رجل ضاف رجلا بفلاة من الأرض فلم يضفه ، ثم ذكر أنه لم يضفه لم يزد على ذلك . وأخرج ابن المنذر ، عن إسماعيل لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم قال : كان الضحاك بن مزاحم يقول : هذا على التقديم والتأخير ، يقول الله : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم إلا من ظلم ، وكان يقرؤها كذلك ، ثم قال : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول أي : على كل حال ، هكذا قال ، وهو قريب من التحريف لمعنى الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أخرج ابن أبي شيبة والترمذي ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من دعا على من ظلمه فقد انتصر وروى نحوه أبو داود عنها من وجه آخر ، وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : المتسابان ما قالاه ، فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية