الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا

                                                                                                                                                                                                                                      فانطلقا الفاء فصيحة، أي: فقبل عذره فخرجا من السفينة فانطلقا. حتى [ ص: 236 ] إذا لقيا غلاما فقتله قيل: كان الغلام يلعب مع الغلمان ، فقتل عنقه، وقيل: ضرب برأسه الحائط، وقيل: أضجعه فذبحه بالسكين. قال أي: موسى عليه الصلاة والسلام أقتلت نفسا زكية طاهرة من الذنوب، وقرئ: (زاكية) بغير نفس أي: بغير قتل نفس محرمة، وتخصيص نفي هذا المبيح بالذكر من بين سائر المبيحات من الكفر بعد الإيمان ، والزنا بعد الإحصان، لأنه الأقرب إلى الوقوع نظرا إلى حال الغلام، ولعل تغيير النظم الكريم بجعل ما صدر عن الخضر عليه الصلاة والسلام ههنا من جملة الشرط، وإبراز ما صدر عن موسى عليه الصلاة والسلام في معرض الجزاء المقصود إفادته مع أن الحقيق بذلك، إنما هو ما صدر عن الخضر عليه الصلاة والسلام من الخوارق البديعة، لاستشراف النفس إلى ورود خبرها لقلة وقوعها في نفس الأمر، وندرة وصول خبرها إلى الأذهان، ولذلك روعيت تلك النكتة في الشرطية الأولى لما أن صدور الخوارق منه عليه الصلاة والسلام خرج بوقوعه مرة مخرج العادة، فانصرفت النفس عن ترقبه إلى ترقب أحوال موسى عليه الصلاة والسلام. هل يحافظ على مراعاة شرطه بموجب وعده الأكيد عند مشاهدة خارق آخر، أو يسارع إلى المناقشة؟ كما مر في المرة الأولى فكان المقصود: إفادة ما صدر عنه عليه الصلاة والسلام، ففعل ما فعل. ولله در شأن التنزيل، وأما ما قيل من أن القتل أقبح، والاعتراض عليه أدخل فكان جديرا بأن يجعل عمدة في الكلام فليس من دفع الشبهة في شيء بل هو مؤيد لها، فإن كون القتل أقبح من مبادئ قلة صدوره عن المؤمن العاقل، وندرة وصول خبره إلى الأسماع، وذلك مما يستدعي جعله مقصودا بالذات. وكون الاعتراض عليه أدخل من موجبات كثرة صدوره عن كل عاقل، وذلك مما لا يقتضي جعله كذلك. لقد جئت شيئا نكرا قيل: معناه أنكر من الأول إذ لا يمكن تداركه كما يمكن تدارك الأول بالسد، ونحوه. وقيل الأمر أعظم من النكرة; لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية