الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في اللعان

                                                                                                          1202 حدثنا هناد حدثنا عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير قال سئلت عن المتلاعنين في إمارة مصعب بن الزبير أيفرق بينهما فما دريت ما أقول فقمت مكاني إلى منزل عبد الله بن عمر استأذنت عليه فقيل لي إنه قائل فسمع كلامي فقال ابن جبير ادخل ما جاء بك إلا حاجة قال فدخلت فإذا هو مفترش بردعة رحل له فقلت يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما فقال سبحان الله نعم إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت لو أن أحدنا رأى امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على أمر عظيم قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه فلما كان بعد ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله هذه الآيات التي في سورة النور والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم حتى ختم الآيات فدعا الرجل فتلا الآيات عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقالت لا والذي بعثك بالحق ما صدق قال فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما قال وفي الباب عن سهل بن سعد وابن عباس وابن مسعود وحذيفة قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          هو مأخوذ من اللعن ؛ لأن الملاعن يقول : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية ؛ لأنه قول الرجل ، وهو الذي بدئ به في الآية ، وهو أيضا يبدأ به ، وله أن يرجع عنه فيسقط عن المرأة بغير عكس ، وقيل سمي لعانا ؛ لأن اللعن : الطرد والإبعاد ، وهو مشترك بينهما ، وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها ؛ لأن الرجل إذا كان [ ص: 325 ] كاذبا لم يصل ذنبه إلى أكثر من القذف ، وإن كانت هي كاذبة فذنبها أعظم لما فيه من تلويث الفراش ، والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به ، فتنتشر المحرمية ، وتثبت الولاية والميراث لمن لا يستحقهما ، قاله الحافظ في الفتح ، وقال ابن الهمام في شرح الهداية : اللعان مصدر لاعن واللعن في اللغة الطرد والإبعاد ، وفي الفقه : اسم لما يجري بين الزوجين من الشهادات بالألفاظ المعلومات ، وشرطه قيام النكاح وسببه قذف زوجته بما يوجب الحد في الأجنبية ، وحكمه حرمتها بعد التلاعن ، وأهله من كان أهلا للشهادة . فإن اللعان شهادات مؤكدات بالأيمان عندنا ، وأما عند الشافعي فأيمان مؤكدات بالشهادات ، وهو الظاهر من قول مالك ، وأحمد . انتهى كلام ابن الهمام مختصرا .

                                                                                                          قوله : ( في إمارة مصعب بن الزبير ) أي : حين كان أميرا على العراق ( فما دريت ) أي : ما علمت ( فقمت مكاني إلى منزل عبد الله بن عمر ) وفي رواية لمسلم : فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة فظهر أن في رواية الترمذي حذفا تقديره : فقمت مكاني وسافرت إلى منزل عبد الله بن عمر بمكة ، وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال : كنا بالكوفة نختلف في الملاعنة يقول بعضنا : يفرق بينهما ، ويقول بعضنا : لا يفرق ، فظهر من هذا أنه سافر من الكوفة ، قال الحافظ في الفتح : ويؤخذ منه أن الخلاف في ذلك كان قديما ، وقد استمر عثمان البتي من فقهاء البصرة على أن اللعان لا يقتضي الفرقة ، وكأنه لم يبلغه حديث ابن عمر . انتهى ( أنه قائل ) من القيلولة ، وهي النوم نصف النهار ( فقال ابن جبير ) برفع ابن ، وهو استفهام أي : أأنت ابن جبير ؟ ( مفترش بردعة رحل ) بفتح الموحدة وسكون الراء وبالدال المهملة ، وفي رواية مسلم بالدال المعجمة قال في الصراح : برذعة كليم كه زير بالان بريشت شترنهند . انتهى ، وقال في القاموس : البردعة : الحلس يلقى تحت الرحل ، وقال فيه البرذعة ، البردعة . انتهى ، وفيه زهادة ابن عمر وتواضعه ، وزاد مسلم في روايته متوسد وسادة حشوها ليف ( يا أبا عبد الرحمن ) هذا كنية عبد الله بن عمر رضي الله عنه [ ص: 326 ] ( والذين يرمون أزواجهم ) بالزنا ( ولم يكن لهم شهداء ) عليه ( إلا أنفسهم ) وقع ذلك لجماعة من الصحابة ، كذا في تفسير الجلالين ( حتى ختم الآيات ) والآيات مع تفسيرها هكذا ( فشهادة أحدهم ) مبتدأ ( أربع شهادات ) نصب على المصدر ( بالله إنه لمن الصادقين ) فيما رمى به من زوجته من الزنا ( والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ) في ذلك ، وخبر المبتدأ يدفع عند حد القذف ( ويدرأ ) يدفع ( عنها العذاب ) أي : حد الزنا الذي ثبت بشهاداته ( أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ) فيما رماها به من الزنا ( والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) في ذلك ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ) بالستر في ذلك ( وأن الله تواب ) بقبوله التوبة في ذلك ، وغيره ( حكيم ) فيما حكم به في ذلك ، وغيره لبين الحق في ذلك ، وعاجل بالعقوبة من يستحقها ، كذا في تفسير الجلالين .

                                                                                                          قوله : ( وذكره ) بالتشديد أي : خوفه من عذاب الله ( وأخبره أن عذاب الدنيا ) وهو حد القذف ( أهون من عذاب الآخرة ) والعاقل يختار الأيسر على الأعسر ( وأخبرها أن عذاب الدنيا ) وهو الرجم قال النووي : فيه أن الإمام يعظ المتلاعنين ويخوفهما من وبال اليمين الكاذبة ، وإن الصبر على عذاب الدنيا ، وهو الحد أهون من عذاب الآخرة ( فبدأ بالرجل ) فيه أن الابتداء في اللعان يكون بالزوج ؛ لأن الله تعالى بدأ به ، و لأنه يسقط عن نفسه حد قذفها وينفي النسب إن كان ، ونقل القاضي ، وغيره إجماع المسلمين على الابتداء بالزوج ، ثم قال الشافعي وطائفة : لو لاعنت المرأة قبله لم يصح لعانها ، وصححه أبو حنيفة وطائفة ، قاله النووي ( فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين إلخ ) وهذه ألفاظ اللعان ، وهي مجمع عليها ( ثم فرق بينهما ) احتج به الثوري وأبو حنيفة وأتباعهما على أنه لا تقع الفرقة بين المتلاعنين حتى يوقعها عليهما الحاكم ، وذهب مالك والشافعي إلى أن الفرقة تقع بنفس اللعان قال مالك وغالب أصحابه : بعد فراغ المرأة ، وقال الشافعي وأتباعه وسحنون من المالكية : بعد فراغ الزوج ، واعتل بأن التعان المرأة إنما شرع لدفع الحد عنها بخلاف الرجل فإنه يزيد على ذلك في حقه نفي النسب ولحاق الولد وزوال الفراش وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل ، وفيما إذا علق طلاق امرأة بفراق أخرى ، ثم لاعن الأخرى . قوله : ( وفي الباب عن سهل بن سعد ) أخرجه الشيخان ( وابن عباس ) أخرجه البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ( وحذيفة ) لينظر من أخرجه ( وابن مسعود ) أخرجه مسلم قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية