الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها

                                                                                                          1204 حدثنا الأنصاري أنبأنا معن أنبأنا مالك عن سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قالت فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت له فقال كيف قلت قالت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي قال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به حدثنا محمد بن بشار أنبأنا يحيى بن سعيد أنبأنا سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة فذكر نحوه بمعناه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم للمرأة أن تعتد حيث شاءت وإن لم تعتد في بيت زوجها قال أبو عيسى والقول الأول أصح [ ص: 328 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 328 ] قوله : ( عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ) البلوي المدني حليف الأنصار ، ثقة من الخامسة ( عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة ) بضم العين وسكون الجيم زوج أبي سعيد الخدري مقبولة من الثانية ، ويقال لها صحبة ( أن الفريعة ) بضم الفاء وفتح الراء ( بنت مالك بن سنان ) بكسر السين ( وهي ) أي : الفريعة زينب ( أنها ) أي : الفريعة ( تسأله ) حال أو استئناف تعليل ( في بني خدرة ) بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أبو قبيلة ( في طلب أعبد ) بفتح فسكون فضم جمع عبد ( أبقوا ) بفتح الموحدة أي : هربوا ( حتى إذا كان ) أي : زوجها ( بطرف القدوم ) بفتح القاف وضم الدال مشددة ومخففة موضع على ستة أميال من المدينة ( حتى إذا كنت في الحجرة ) أي : الحجرة الشريفة ( أو في المسجد ) أي : المسجد النبوي ، وهو مسجد المدينة ( قال امكثي ) بضم الكاف أي : توقفي واثبتي ( في بيتك ) أي : الذي كنت فيه ( حتى يبلغ الكتاب ) أي : العدة المكتوب عليها أي : المفروضة ( أجله ) أي : مدته ، والمعنى : حتى تنقضي العدة وسميت العدة كتابا ؛ لأنها فريضة من الله تعالى قال تعالى كتب عليكم أي : فرض ( فلما كان عثمان ) أي : خليفة وأمير المؤمنين [ ص: 329 ] قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك في الموطإ ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه والدارمي ، وابن حبان في صحيحه والحاكم ، وقال : صحيح الإسناد من الوجهين جميعا ، ولم يخرجاه ، وقال الذهبي : هو حديث صحيح محفوظ ، كذا في المرقاة ، وقال الحافظ في بلوغ المرام : وصححه الترمذي والذهلي ، وابن حبان والحاكم ، وغيرهم . انتهى . قوله : ( والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم إلخ ) قال في شرح السنة : اختلفوا في السكنى للمعتدة عن الوفاة ، وللشافعي فيه قولان ؛ فعلى الأصح لها السكنى ، وبه قال عمر وعثمان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ، وقالوا : إذنه صلى الله عليه وسلم للفريعة أولا صار منسوخا بقوله : امكثي في بيتك إلخ ، وفيه دليل على جواز نسخ الحكم قبل الفعل ، والقول الثاني أن لا سكنى لها ، بل تعتد حيث شاءت ، وهو قول علي وابن عباس وعائشة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للفريعة أن ترجع إلى أهلها ، وقوله لها آخرا امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله أمر استحباب . انتهى ، وحجة أصحاب القول الأول حديث الباب ، واستدل علي القاري على عدم خروج المتوفى عنها زوجها بقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإنه دل على عدم خروجها من بيت زوجها ، ولما نسخ مدة الحول بأربعة أشهر وعشر والوصية بقي عدم الخروج على حاله . انتهى . ( وهو قول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه . ففي موطأ الإمام محمد عن نافع أن ابن عمر كان يقول : لا تبيت المبتوتة ، ولا المتوفى عنها إلا في بيت زوجها قال محمد : وبهذا نأخذ ، أما المتوفى عنها فإنها تخرج بالنهار في حوائجها ، ولا تبيت إلا في بيتها ، وأما المطلقة مبتوتة كانت ، أو غير مبتوتة فلا تخرج ليلا ، ولا نهارا ما دامت في عدتها ، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا . انتهى . ( وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم : للمرأة أن تعتد حيث شاءت ، وإن لم تعتد في بيت زوجها ) وهو قول علي وابن عباس وعائشة كما في شرح السنة ، وقال العيني في البناية : وجاء عن علي وعائشة وابن عباس وجابر أنها تعتد حيث شاءت ، وهو قول الحسن وعطاء والظاهرية . انتهى ، واستدل لهم بما أخرجه الدارقطني عن محبوب بن محرز عن أبي مالك النخعي عن عطاء بن السائب عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المتوفى [ ص: 330 ] عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت ، قال الدارقطني : لم يسنده غير أبي مالك النخعي ، وهو ضعيف ، قال ابن القطان ومحبوب بن محرز أيضا ضعيف وعطاء مختلف وأبو مالك أضعفهم فلذلك أعله الدارقطني به ، وذكر الجميع أصوب لاحتمال أن يكون الجناية من غيره . انتهى كلامه ، كذا في نصب الراية . ( والقول الأول أصح ) فإن دليله أصح من دليل القول الثاني ، قال القاضي الشوكاني في النيل : قد استدل بحديث فريعة على أن المتوفى عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها ، وهي فيه ، ولا تخرج منه إلى غيره ، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر ، وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعطاء ، وأخرجه حماد عن ابن سيرين وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي ، وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد قال : وحديث فريعة لم يأت من خالفه بما ينتهض لمعارضته ؛ فالتمسك به متعين . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية