الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الجدار المعهود فكان لغلامين يتيمين في المدينة هي القرية المذكورة فيما سبق، ولعل التعبير عنها بالمدينة لإظهار نوع اعتداد بها باعتداد ما فيها من اليتيمين، وأبيهما الصالح قيل: اسماهما أصرم وصريم، واسم المقتول جيسور. وكان تحته كنز لهما من فضة وذهب كما روي مرفوعا. والذم على كنزهما في قوله عز وجل: والذين يكنزون الذهب والفضة لمن لا يؤدي زكاتهما، وسائر حقوقهما، وقيل: كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر، كيف يحزن؟! وعجبت لمن يؤمن بالرزق، كيف يتعب؟! وعجبت لمن يؤمن بالموت، كيف يفرح؟! وعجبت لمن يؤمن بالحساب، كيف يغفل؟! وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها، كيف يطمئن إليها؟! لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقيل: [ ص: 239 ] صحف فيها علم وكان أبوهما صالحا تنبيه على أن سعيه في ذلك كان لصلاحه، قيل: كان بينهما وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء. فأراد ربك أي: مالكك ومدبر أمورك، ففي إضافة الرب إلى ضمير موسى عليه الصلاة والسلام دون ضميرهما تنبيه له عليه الصلاة والسلام على تحتم كمال الانقياد والاستسلام، لإرادته سبحانه، ووجوب الاحتراز عن المناقشة فيما وقع بحسبها من الأمور المذكورة. أن يبلغا أشدهما أي: حلمهما، وكمال رأيهما ويستخرجا بالكلية كنزهما من تحت الجدار، ولولا أني أقمته لانقض، وخرج الكنز من تحته قبل اقتدارهما على حفظ المال وتنميته وضاع. رحمة من ربك مصدر في موقع الحال، أي: مرحومين منه عز وجل، أو مفعول له، أو مصدر مؤكد لأراد فإن إرادة الخير رحمة. وقيل: متعلق بمضمر، أي: فعلت ما فعلت من الأمور التي شاهدتها رحمة من ربك، ويعضده إضافة الرب إلى ضمير المخاطب دون ضميرهما فيكون قوله عز وعلا: وما فعلته عن أمري أي: عن رأيي واجتهادي تأكيد لذلك. ذلك إشارة إلى العواقب المنظومة في سلك البيان، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجتها في الفخامة. تأويل ما لم تسطع أي: لم تستطع. فحذف التاء للتخفيف. عليه صبرا من الأمور التي رابته، أي: مآله، وعاقبته. فيكون إنجازا للتنبئة الموعودة، أو إلى البيان نفسه. فيكون التأويل بمعناه، وعلى كل حال فهو فذلكة لما تقدم، وفي جعل الصلة عين ما مر تكرير للتنكير وتشديد للعتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه: اختلفوا في حياة الخضر عليه الصلاة والسلام، فقيل: إنه حي، وسببه أنه كان على مقدمة ذي القرنين ، فلما دخل الظلمات أصاب الخضر عين الحياة، فنزل واغتسل منها، وشرب من مائها، وأخطأ ذو القرنين الطريق فعاد. قالوا: وإلياس أيضا في الحياة يلتقيان كل سنة بالموسم ، وقيل: إنه ميت لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء ذات ليلة ثم قال: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد، ولو كان الخضر حينئذ حيا لما عاش بعد مائة عام . روي أن موسى عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يفارقه قال: أوصني. قال: لا تطلب العلم لتحدث به، واطلبه لتعمل به.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية