الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: كذبت ثمود بطغواها أي: كذبت رسولها بطغيانها .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: أن الطغيان حملهم على التكذيب . قال الفراء: أراد بطغواها: طغيانها، وهما مصدران، إلا أن الطغوى أشكل برؤوس الآيات، فاختير لذلك . وقيل: كذبوا العذاب إذ انبعث أي: انتدب أشقاها وهو: عاقر الناقة لعقرها فقال لهم رسول الله وهو صالح ناقة الله قال الفراء: نصب [ ص: 143 ] الناقة على التحذير، وكل تحذير فهو نصب . قال ابن قتيبة: المعنى: احذروا ناقة الله وشربها . وقال الزجاج: المعنى: ذروا ناقة الله " و " ذروا " سقياها " . قال المفسرون: سقياها: شربها من الماء . والمعنى: لا تتعرضوا ليوم شربها فكذبوه في تحذيره إياهم العذاب بعقرها فعقروها وقد بينا معنى " العقر " في [الأعراف: 77] فدمدم عليهم ربهم قال الزجاج: أي: أطبق عليهم العذاب . يقال: دمدمت على الشيء: إذا أطبقت فكررت الإطباق . وقال المؤرج: الدمدمة: إهلاك باستئصال .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله تعالى: فسواها قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: سوى بينهم في الإهلاك، قاله السدي، ويحيى بن سلام . وقيل: سوى الدمدمة عليهم . والمعنى: أنه أهلك صغيرهم، وكبيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: سوى الأرض عليهم . قال مقاتل: سوى بيوتهم على قبورهم . وكانوا قد حفروا قبورا فاضطجعوا فيها، فلما صيح بهم فهلكوا زلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولا يخاف عقباها قرأ أبو جعفر، ونافع، وابن عامر، " فلا يخاف " بالفاء، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام . وقرأ الباقون [ ص: 144 ] بالواو، وكذلك هي في مصاحف مكة، والكوفة، والبصرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المشار إليه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه الله عز وجل، فالمعنى: لا يخاف الله من أحد تبعة في إهلاكهم، ولا يخشى عقبى ما صنع، قاله ابن عباس، والحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه الذي عقرها، فالمعنى: أنه لم يخف عقبى ما صنع، وهذا مذهب الضحاك والسدي، وابن السائب . فعلى هذا الكلام تقديم وتأخير، تقديره: إذ انبعث أشقاها وهو لا يخاف عقباها .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنه نبي الله صالح لم يخف عقباها، حكاه الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية