الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أمس ]

                                                          أمس : أمس : من ظروف الزمان مبني على الكسر إلا أن ينكر أو يعرف ، وربما بني على الفتح ، والنسبة إليه إمسي ، على غير قياس . قال ابن جني : امتنعوا من إظهار الحرف الذي يعرف به أمس حتى اضطروا بذلك إلى بنائه لتضمنه معناه ، ولو أظهروا ذلك الحرف فقالوا مضى الأمس بما فيه لما كان خلفا ولا خطأ ; فأما قول نصيب :

                                                          [ ص: 154 ]

                                                          وإني وقفت اليوم والأمس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب



                                                          فإن ابن الأعرابي قال : روي الأمس والأمس جرا ونصبا فمن جره فعلى الباب فيه وجعل اللام مع الجر زائدة ، واللام المعرفة له مرادة فيه وهو نائب عنها ومضمن لها ، فكذلك قوله والأمس هذه اللام زائدة فيه ، والمعرفة له مرادة فيه محذوفة منه ، يدل على ذلك بناؤه على الكسر ، وهو في موضع نصب كما يكون مبنيا إذا لم تظهر اللام في لفظه وأما من قال : والأمس فإنه لم يضمنه معنى اللام فيبنيه ولكنه عرفه كما عرف اليوم بها ، وليست هذه اللام في قول من قال : والأمس فنصب هي تلك اللام التي في قول من قال : والأمس فجر ، تلك لا تظهر أبدا لأنها في تلك اللغة لم تستعمل مظهرة ، ألا ترى أن من ينصب غير من يجر ؟ فكل منهما لغة وقياسهما على ما نطق به منهما لا تداخل أختها ولا نسبة في ذلك بينها وبينها . الكسائي : العرب تقول : كلمتك أمس وأعجبني أمس يا هذا ، وتقول في النكرة : أعجبني أمس وأمس آخر ، فإذا أضفته أو نكرته أو أدخلت عليه الألف واللام للتعريف أجريته بالإعراب ، تقول : كان أمسنا طيبا ورأيت أمسنا المبارك ومررت بأمسنا المبارك ، ويقال : مضى الأمس بما فيه ; قال الفراء : ومن العرب من يخفض الأمس وإن أدخل عليه الألف واللام ، كقوله :


                                                          وإني قعدت اليوم والأمس قبله



                                                          ، قال أبو سعيد : تقول جاءني أمس فإذا نسبت شيئا إليه كسرت الهمزة ، قلت إمسي على غير قياس ; قال العجاج :


                                                          وجف عنه العرق الإمسي



                                                          قال العجاج :


                                                          كأن إمسيا به من أمس     يصفر لليبس اصفرار الورس



                                                          الجوهري : أمس اسم حرك آخره لالتقاء الساكنين ، واختلف العرب فيه فأكثرهم يبنيه على الكسر معرفة ، ومنهم من يعربه معرفة ، وكلهم يعربه إذا أدخل عليه الألف واللام أو صيره نكرة أو أضافه . غيره : ابن السكيت : تقول ما رأيته مذ أمس ، فإن لم تره يوما قبل ذلك قلت : ما رأيته مذ أول من أمس ، فإن لم تره يومين قبل ذلك قلت : ما رأيته مذ أول من أول من أمس . قال ابن الأنباري : أدخل اللام والألف على أمس وتركه على كسره لأن أصل أمس عندنا من الإمساء فسمي الوقت بالأمر ولم يغير لفظه ; من ذلك قول الفرزدق :


                                                          ما أنت بالحكم الترضى حكومته     ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل



                                                          فأدخل الألف واللام على ترضى ، وهو فعل مستقبل على جهة الاختصاص بالحكاية ; وأنشد الفراء :


                                                          أخفن أطناني إن شكين وإنني     لفي شغل عن دحلي اليتتبع



                                                          فأدخل الألف واللام على يتتبع ، وهو فعل مستقبل لما وصفنا . قال ابن كيسان في أمس : يقولون إذا نكروه : كل يوم يصير أمسا ، وكل أمس مضى فلن يعود ، ومضى أمس من الأموس . قال البصريون : إنما لم يتمكن أمس في الإعراب لأنه ضارع الفعل الماضي وليس بمعرب ; قال الفراء : إنما كسرت لأن السين طبعها الكسر ، وقال الكسائي : أصلها الفعل أخذ من قولك أمس بخير ثم سمي به ، وقال أبو الهيثم : السين لا يلفظ بها إلا من كسر الفم ما بين الثنية إلى الضرس وكسرت لأن مخرجها مكسور في قول الفراء ; وأنشد :


                                                          وقافية بين الثنية والضرس



                                                          ، قال ابن بزرج : قال عرام : ما رأيته مذ أمس الأحدث ، وأتاني أمس الأحدث ، قال بجاد : عهدي به أمس الأحدث ، وأتاني أمس الأحدث ، قال : ويقال ما رأيته قبل أمس بيوم ; يريد من أول من أمس وما رأيته قبل البارحة بليلة . قال الجوهري : قال سيبويه ، وقد جاء في ضرورة الشعر مذ أمس بالفتح ; وأنشد :


                                                          لقد رأيت عجبا مذ أمسا     عجائزا مثل السعالي خمسا
                                                          يأكلن ما في رحلهن همسا     لا ترك الله لهن ضرسا !



                                                          قال ابن بري : اعلم أن أمس مبنية على الكسر عند أهل الحجاز ، وبنو تميم يوافقونهم في بنائها على الكسر في حال النصب والجر ، فإذا جاءت أمس في موضع رفع أعربوها فقالوا : ذهب أمس بما فيه ، وأهل الحجاز يقولون : ذهب أمس بما فيه لأنها مبنية لتضمنها لام التعريف ، والكسرة فيها لالتقاء الساكنين ، وأما بنو تميم فيجعلونها في الرفع معدولة عن الألف واللام ، فلا تصرف للتعريف والعدل ، كما لا يصرف سحر إذا أردت به وقتا بعينه للتعريف والعدل ; وشاهد قول أهل الحجاز في بنائها على الكسر ، وهي في موضع رفع قول أسقف نجران :


                                                          منع البقاء تقلب الشمس     وطلوعها من حيث لا تمسي
                                                          اليوم أجهل ما يجيء به     ومضى بفصل قضائه أمس



                                                          فعلى هذا تقول : ما رأيته مذ أمس في لغة الحجاز ، جعلت مذ اسما أو حرفا ، فإن جعلت مذ اسما رفعت في قول بني تميم فقلت : ما رأيته مذ أمس ، وإن جعلت مذ حرفا وافق بنو تميم أهل الحجاز في بنائها على الكسر فقالوا : ما رأيته مذ أمس ; وعلى ذلك قول الراجز يصف إبلا :


                                                          ما زال ذا هزيزها مذ أمس     صافحة خدودها للشمس



                                                          فمذ هاهنا حرف خفض على مذهب بني تميم ، وأما على مذهب أهل الحجاز فيجوز أن يكون مذ اسما ويجوز أن يكون حرفا . وذكر سيبويه أن من العرب من يجعل أمس معدولة في موضع الجر بعد مذ خاصة ، يشبهونها بمذ إذا رفعت في قولك ما رأيته مذ أمس ، ولما كانت أمس معربة بعد مذ التي هي اسم ، كانت أيضا معربة مع مذ التي هي حرف لأنها بمعناها ، قال : فبان لك بهذا غلط من يقول إن أمس في قوله :


                                                          لقد رأيت عجبا مذ أمسا



                                                          [ ص: 155 ] مبنية على الفتح بل هي معربة ، والفتحة فيها كالفتحة في قولك مررت بأحمد . وشاهد بناء أمس - إذا كانت في موضع نصب - قول زياد الأعجم :


                                                          رأيتك أمس خير بني معد     وأنت اليوم خير منك أمس



                                                          وشاهد بنائها ، وهي في موضع الجر قول عمرو بن الشريد :


                                                          ولقد قتلتكم ثناء وموحدا     وتركت مرة مثل أمس المدبر



                                                          وكذا قول الآخر :


                                                          وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم     بصهاب ، هامدة كأمس الدابر



                                                          قال : واعلم أنك إذا نكرت أمس أو عرفتها بالألف واللام أو أضفتها أعربتها فتقول في التنكير : كل غد صائر أمسا ، وتقول في الإضافة ومع لام التعريف : كان أمسنا طيبا وكان الأمس طيبا ; وشاهده قول نصيب :


                                                          وإني حبست اليوم والأمس قبله     ببابك حتى كادت الشمس تغرب



                                                          قال : وكذلك لو جمعته لأعربته كقول الآخر :


                                                          مرت بنا أول من أموس     تميس فينا مشية العروس



                                                          قال الجوهري : ولا يصغر أمس كما لا يصغر غد والبارحة وكيف وأين ومتى وأي وما وعند وأسماء الشهور والأسبوع غير الجمعة . قال ابن بري : الذي حكاه الجوهري في هذا صحيح إلا قوله " غير " الجمعة لأن الجمعة عند سيبويه مثل سائر أيام الأسبوع لا يجوز أن يصغر ، وإنما امتنع تصغير أيام الأسبوع عند النحويين لأن المصغر إنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما له مثل اسمه كبيرا ، وأيام الأسبوع متساوية لا معنى فيها للتصغير ، وكذلك غد والبارحة وأسماء الشهور مثل المحرم وصفر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية