الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة عطف على ( قاتلوا الذين يقاتلونكم ) والأول مسوق لوجوب أصل القتال، وهذا لبيان غايته، والمراد من ( الفتنة ) الشرك على ما هو المأثور عن قتادة والسدي وغيرهما، ويؤيده أن مشركي العرب ليس في حقهم إلا الإسلام أو السيف؛ لقوله سبحانه: تقاتلونهم أو يسلمون ، ويكون الدين لله أي: خالصا له كما يشعر به اللام، ولم يجئ هنا كلمة كله، كما في آية الأنفال؛ لأن ما هنا في مشركي العرب، وما هناك في الكفار عموما، فناسب العموم هناك وتركه هنا، فإن انتهوا تصريح بمفهوم الغاية، فالمتعلق الشرك، والفاء للتعقيب، فلا عدوان إلا على الظالمين 193 علة للجزاء المحذوف أقيمت مقامه، والتقدير ( فإن انتهوا ) وأسلموا فلا تعتدوا عليهم؛ لأن ( العدوان على الظالمين ) والمنتهون ليسوا بظالمين، والمراد نفي الحسن والجواز لا نفي الوقوع؛ لأن ( العدوان ) واقع على غير الظالمين، والمراد من ( العدوان ) العقوبة بالقتل، وسمي القتل عدوانا من حيث كان عقوبة (للعدوان) وهو الظلم كما في قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه وجزاء سيئة سيئة مثلها وحسن ذلك لازدواج الكلام والمزاوجة هنا معنوية، ويمكن أن يقال سمي جزاء الظلم ظلما؛ لأنه وإن كان عدلا من المجازي، لكنه ظلم في حق الظالم من عند نفسه؛ لأنه ظلم بالسبب لإلحاق هذا الجزاء به، وقيل: لا حذف، والمذكور هو الجزاء على معنى فلا تعتدوا على المنتهين إما بجعل فلا عدوان إلا على الظالمين بمعنى: ( فلا عدوان على غير الظالمين ) المكنى به عن المنتهين، أو جعل اختصاص العدوان بالظالمين، كناية عن عدم جواز العدوان على غيرهم، وهم المنتهون، واعترض بأنه على التقدير الأول يصير الحكم الثبوتي المستفاد من القصر زائدا، وعلى التقدير الثاني يصير المكنى عنه من المكنى به، وجوز أن يكون المذكور هو الجزاء [ ص: 77 ] ومعنى ( الظالمين ) المتجاوزين عن حد حكم القتال، كأنه قيل: فإن انتهوا عن الشرك فلا عدوان إلا على المتجاوزين عما حده الله - تعالى - للقتال، وهم المتعرضون للمنتهين، ويؤول المعنى إلى أنكم إن تعرضتم للمتقين صرتم ظالمين، وتنعكس الحال عليكم، وفيه من المبالغة في النهي عن قتال المنتهين ما لا يخفى، وذهب بعضهم إلى أن هذا المعنى يستدعي حذف الجزاء، وجعل المذكور علة له على معنى ( فإن انتهوا ) فلا تتعرضوهم؛ لئلا تكونوا ظالمين، فيسلط الله عليكم من يعدوا عليكم؛ لأن (العدوان) لا يكون إلا على الظالمين أو فإن انتهوا يسلط عليكم من يعدوا عليكم على تقدير تعرضكم لهم لصيرورتكم ظالمين بذلك، وفيه من البعد ما لا يخفى فتدبر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية