الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب السابع في دعوى النسب وإلحاق القائف :

                                                                                                                                                                        مقصود الباب الكلام في القائف وشرطه . أما الاستلحاق وشروطه فسبق ذكره في كتاب الإقرار واللقيط . وفي الباب ثلاثة أركان : الأول : المستلحق ، وقد سبق في كتاب اللقيط أن المذهب صحة استلحاق العبد والعتيق دون المرأة على الأصح ، وسبق هناك جمل من أركانه .

                                                                                                                                                                        الركن الثاني : الملحق ، وهو القائف ، وليكن فيه صفات بعضها واجب قطعا ، وبعضها مختلف فيه ، فيشترط فيه أهلية الشهادة ، فيكون مسلما بالغا عاقلا عدلا ، والأصح اشتراط حريته وذكورته ، وأنه يكفي واحد ، ونص عليه . وقيل : يشترط اثنان . وأنه لا يشترط كونه من مدلج ، بل يجوز من سائر العرب ومن العجم . قال ابن كج : ولا يجوز أن يكون أعمى ، ولا أخرس ، قال : ولو كان ابن أحد المتداعيين ، فألحقه بغير أبيه ، قبل ، وإن ألحقه بأبيه ، لم يقبل . ولو كان عدو أحدهما ، فألحقه به ، قبل . وإن ألحقه بالآخر ، فلا ; لأنه [ ص: 102 ] كالشهادة على العدو . ولو كان القاضي قائفا ، فهل يقضي بعلمه ؟ فيه الخلاف في القضاء بعلمه ، ويشترط كونه مجربا . وكيفية التجربة : أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهن أمه ، ثم في نسوة ليس فيهن أمه ، ثم في نسوة ليس فيهن أمه ، فإذا أصاب في الكل ، صار مجربا ، وقبل قوله بعد ذلك . وهل تختص التجربة بالأم ، أم يجوز أن يعرض عليه المولود مع أبيه في رجال ؟ وجهان ، الأصح المنصوص : الثاني ، وبه قطع العراقيون وغيرهم ، لكن العرض مع الأم أولى . وأما تكرار العرض ثلاثا ، فقد جعله الشيخ أبو حامد وأصحابه شرطا . وقيل : يكفي مرة ، وقال الإمام : لا معنى لاعتبار الثلاث ، بل المعتبر غلبة الظن ، بأقواله عن خبرة لا عن اتفاق ، وهذا قد يحصل بدون الثلاثة . وإذا حصلت التجربة ، اعتمدنا إلحاقه ، ولا تجدد التجربة لكل إلحاق .

                                                                                                                                                                        الركن الثالث : الولد الملحق ، ويعرض على القائف في موضعين : أحدهما : أن يتنازع اثنان مولودا مجهولا من لقيط أو غيره ، فيعرض على القائف كما سبق في اللقيط . والثاني : أن يشترك اثنان فأكثر في وطء امرأة ، فتأتي بولد لزمان يمكن كونه منهما ، ويدعيه كل منهما فيعرض على القائف . ويتصور الاشتراك في الوطء على الوجه المذكور من وجوه . منها : أن يطأها كل منهما بالشبهة بأن يجدها بفراشه ، فيظنها زوجته أو أمته ، فلو كانت في نكاح صحيح فوطئت بشبهة ، فوجهان ، قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ : يلحق الولد بالزوج ; لأنها فراشه ، والفراش أقوى من الشبهة ، كما لو طلقها وانقضت عدتها ، ونكحت ، وولدت تلحق بالثاني وإن أمكن كونه من الأول ; لأنها فراش الثاني ، والأصح على ما ذكره الروياني وغيره ، وبه قطع الإمام : [ ص: 103 ] أنه يعرض على القائف ، ويكون لمن ألحقه به ، بخلاف صورة الاستشهاد لأن العدة أمارة ظاهرة في البراءة عن الأول ، وهنا بخلافه .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يطأ زوجته في نكاح صحيح ، ثم طلقها ، فيطأها آخر بشبهة ، أو في نكاح فاسد ، بأن ينكحها في العدة جاهلا بها .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يطأها اثنان في نكاحين فاسدين ، وأن يطأ الشريكان المشتركة ، وأن يطأ أمته ويبيعها ، فيطأها المشتري ، ولا يستبرئ واحد منهما . فإذا وطئ اثنان في بعض هذه الصور في طهر ، فولدته لما بين أربع سنين وستة أشهر من الوطأين ، وادعياه جميعا ، عرض على القائف ، فإن تخلل بين الوطأين حيضة ، فهي أمارة ظاهرة في حصول البراءة عن الأول ، فينقطع تعلقه ، إلا أن يكون الأول زوجا في نكاح صحيح ، والثاني واطئا بشبهة أو نكاح فاسد ، فلا ينقطع تعلق الأول ; لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح قائم مقام نفس الوطء والإمكان حاصل بعد الحيضة . وإن كان الأول زوجا في نكاح فاسد ، ففي انقطاع تعلقه بتخلل الحيضة قولان ، أظهرهما : الانقطاع ; لأن المرأة لا تصير فراشا في النكاح الفاسد إلا بحقيقة الوطء ، وسواء كان المتنازعان والواطئان مسلمين وحرين ، أو مختلفي الحال .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية