الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا

                                                                                                                                                                                                                                      حتى إذا بلغ مغرب الشمس أي: منتهى الأرض من جهة المغرب بحيث لا يتمكن أحد من مجاوزته، ووقف على حافة البحر المحيط الغربي الذي يقال له: أوقيانوس الذي فيه الجزائر المسماة بالخالدات، التي هي مبدأ الأطوال على أحد القولين. وجدها أي: الشمس. تغرب في عين حمئة أي: ذات حمأة. وهي الطين الأسود من حمئت البئر إذا كثرت حمأتها، وقرئ: (حامية) أي: حارة. روي أن معاوية رضي الله عنه قرأ: (حامية) وعنده ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (حمئة)، فقال معاوية لعبد الله بن عمرو بن العاص : كيف تقرأ؟ قال : كما يقرأ أمير المؤمنين. ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين، وروي في ثأط. فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما، وليس بينهما منافاة قطعية; لجواز كون العين جامعة بين الوصفين. وكون الياء في الثانية منقلبة عن الهمزة لانكسار ما قبلها، وأما رجوع معاوية إلى قول ابن عباس رضي الله عنهم بما سمعه من كعب مع أن قراءته أيضا مسموعة قطعا، فلكون قراءة ابن عباس رضي الله عنهما قطعية في مدلولها، وقراءته محتملة، ولعله لما بلغ ساحل المحيط رآها كذلك. إذ ليس في مطمح بصره غير الماء كما يلوح به قوله تعالى: وجدها تغرب . ووجد عندها عند تلك العين قوما . قيل: كان لباسهم جلود الوحوش، وطعامهم ما لفظه البحر، وكانوا كفارا. فخيره الله جل ذكره بين أن يعذبهم بالقتل، وأن يدعوهم إلى الإيمان، وذلك قوله تعالى: قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب بالقتل من أول الأمر، وإما أن تتخذ فيهم حسنا أي: أمرا ذا حسن. على حذف المضاف، أو على طريقة إطلاق المصدر على موصوفه مبالغة، وذلك بالدعوة إلى الإسلام، والإرشاد إلى الشرائع، ومحل أن مع صلته إما الرفع على الابتداء أو الخبرية، وإما النصب على المفعولية، أي: إما تعذيبك واقع، أو إما أمرك تعذيبك، [ ص: 243 ] أو إما تفعل تعذيبك، وهكذا الحال في الاتخاذ ، ومن لم يقل بنبوته قال : كان ذلك الخطاب بواسطة نبي في ذلك العصر، أو كان ذلك إلهاما لا وحيا بعد أن كان ذلك التخيير موافقا لشريعة ذلك النبي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية