الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه لما التجأ دبيس بن صدقة إلى الملك طغرل بن محمد بن ملك شاه وحسن له أن يطلب السلطنة والخطبة ، وقصد بغداد ، وتقدم الخليفة بالاستعداد لمحاربتهما ، وأمر بفتح باب من ميدان خالص في سور الدار مقابل الحلبة ، وسماه باب النصر ، وجعل عليه بابا من حديد ، وبرز في يوم الجمعة خامس صفر وخرج سحرة يوم الاثنين ثامن صفر من باب النصر بالسواد وعليه البردة وبيده القضيب وعليه الطرحة والشمسة على رأسه ، وبين يديه أبو علي بن صدقة وزيره ونقيب النقباء أبو القاسم ، وقاضي القضاة وإقبال الخادم ، وأرباب الدولة يمشون في ركابه إلى أن وصلوا باب الحلبة ، ثم ركب الجماعة إلى أن وصلوا إلى صحن الشماسية ، فلما قربوا من السرادق ترجلوا كلهم ومشوا بين يديه إلى السرادق ، ورحل يوم التاسع من صفر فنزل بالخالص ونزل طغرل ودبيس براذان ، فلما عرفا خروج الخليفة عدلا عن طريق خراسان ونزلا برباط جلولاء ، فخرج الوزير أبو علي بن صدقة في عسكر كثير إلى الدسكرة ، وتوجه الملك طغرل إلى الهارونية ورحل الخليفة فنزل الدسكرة فدبر الملك ودبيس أن يعبرا ديالى وتامرا ويكبسوا بغداد ليلا ويقطعوا الجسر بالنهروان ويحفظ دبيس المعابر ويشتغل طغرل بنهب بغداد ، فعبرا تامرا فنزل طغرل بين ديالي وتامرا وعبر دبيس ديالي على أن يتبعه الملك ، فمرض الملك تلك الليلة وتوالى مجيء المطر وزاد الماء في ديالى والخليفة نازل بالدسكرة لا يعلم بمكر دبيس فقصد دبيس مشرعة النهروان في مائتي فارس جريدة ، فنزل هناك وقد [ ص: 229 ] تعب ، وجاء المطر عليهم طول ليلتهم وليس معهم خيمة ولا زاد ولا عليف ، فوصلت جمال قد نفذت من بغداد إلى الخليفة عليها الزاد والثياب فأخذها دبيس ففرقها على عسكره ، فاكتسوا وشبعوا وغنموا .

وبلغ الخبر إلى بغداد بمجيء دبيس فانزعج الناس ودخلوا تحت السلاح ، والتجأ النساء والمشايخ إلى المساجد وأعلنوا بالدعاء والاستغاثة إلى الله تعالى ، وتأدى الخبر إلى الخليفة وأرجف في عسكره بأن دبيسا قد دخل بغداد وملكها ، فرحل مجدا إلى النهروان ، فلم يشعر دبيس إلا برايات الخليفة قد طلعت ، فلما رآها قبل الأرض في مكانه ، وقال: أنا العبد المطرود ما أن يعفى عن العبد المذنب فلم يجبه أحد ، فعاود القول والتضرع ، فرق له الخليفة ، وهم بالعفو عنه أو مصالحته فصرفه الوزير ابن صدقة عن هذا الرأي ، وبعث الخليفة نظر الخادم إلى بغداد بتطييب قلوب الناس ونادى في البلد بخروج العسكر بطلب دبيس والإسراع مع الوزير أبي علي بن صدقة ، ودخل الخليفة داره ، وكانت غيبته خمسة وعشرين يوما ، ومضى دبيس والملك إلى سنجر فاستجارا به هذا من أخيه ، وهذا من أخيه ، وهذا من أمير المؤمنين فأجارهما ولبسا عليه ، فقالا:

قد طردنا الخليفة ، وقال: هذه البلاد لي ، فقبض سنجر على دبيس واعتقله في قلعة يتقرب بذلك إلى المسترشد ، وخرج سعد الدولة برنقش الزكوي في تاسع رجب إلى السلطان ، واجتمع به خاليا ، وأكثر الشكوى من الخليفة ، وحقق في نفسه أن الخليفة يطلب الملك ، وأنه خرج من داره مرتين ، وكسر من قصده وإن لم يدبر الأمر في حسم ذلك اتسع الخرق وصعب الأمر ، وسيتضح لك حقيقة ذلك إذا أردت دخول بغداد والذي يحمله على ذلك وزيره أبو علي بن صدقة ، وقد كاتب أمراء الأطراف وجميع العرب والأكراد فحصل في نفس السلطان من ذلك ما دعاه إلى دخول بغداد .

وفي هذه الأيام دخل أبو العباس ابن الرطبي يعلم الأمراء بدار الخليفة . [ ص: 230 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية