الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 201 ] سورة الزلزلة

                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها مدنية، قاله ابن عباس، وقتادة، ومقاتل، والجمهور .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: مكية، قاله ابن مسعود، وجابر، وعطاء .

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إذا زلزلت الأرض زلزالها أي: حركت حركة شديدة، وذلك عند قيام الساعة . وقال مقاتل: تتزلزل من شدة صوت إسرافيل حتى ينكسر كل ما عليها من شدة الزلزلة ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل، أو بناء، أو شجر، ثم تتحرك وتضطرب، فتخرج ما في جوفها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 202 ] وفي وقت هذه الزلزلة قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: تكون في الدنيا، وهي من أشراط الساعة، قاله الأكثرون .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها زلزلة يوم القيامة، قاله خارجة بن زيد في آخرين . قال الفراء: حدثني محمد بن مروان، قال: قلت للكلبي: أرأيت قول الله تعالى: إذا زلزلت الأرض زلزالها ؟ فقال: هذه بمنزلة قوله تعالى: ويخرجكم إخراجا [نوح: 18] فأضيف المصدر إلى صاحبه، وأنت قائل في الكلام: لأعطينك عطيتك، تريد عطية . والزلزال بالكسر: المصدر، وبالفتح: الاسم . وقد قرأ أبو العالية، وأبو عمران، وأبو حيوة الجحدري: " زلزالها " بفتح الزاي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأخرجت الأرض أثقالها فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: ما فيها من الموتى، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: كنوزها، قاله عطية . وجمع الفراء بين القولين، فقال: لفظت ما فيها من ذهب، أو فضة، أو ميت .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 203 ] قوله تعالى: وقال الإنسان ما لها فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه اسم جنس يعم الكافر والمؤمن، وهذا قول من جعلها من أشراط الساعة، لأنها حين ابتدأت لم يعلم الكل أنها من أشراط الساعة، فسأل بعضهم بعضا حتى أيقنوا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه الكافر خاصة، وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة، لأن المؤمن عارف فلا يسأل عنها، والكافر جاحد لها لأنه لا يؤمن بالبعث، فلذلك يسأل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يومئذ تحدث أخبارها قال الزجاج: " يومئذ " منصوب بقوله تعالى: إذا زلزلت وأخرجت ففي ذلك اليوم تحدث بأخبارها، أي: تخبر بما عمل عليها . وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم . قال: أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: بأن ربك أوحى لها قال الفراء: تحدث أخبارها بوحي الله وإذنه لها . قال ابن عباس: أوحى لها، أي: أوحى إليها، وأذن لها أن [ ص: 204 ] تخبر بما عمل عليها . وقال أبو عبيدة: " لها " بمعنى " إليها " . قال العجاج:

                                                                                                                                                                                                                                      وحى لها القرار فاستقرت

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يومئذ يصدر الناس أي: يرجعون عن موقف الحساب أشتاتا أي: فرقا . فأهل الإيمان على حدة وأهل الكفر على حدة ليروا أعمالهم وقرأ أبو بكر الصديق، وعائشة، والجحدري: " ليروا " بفتح الياء . قال ابن عباس: أي: ليروا جزاء أعمالهم . فالمعنى: أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار . وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ليروا أعمالهم يومئذ يصدر الناس أشتاتا . فعلى هذا: يرون ما عملوا من خير أو شر في موقف العرض فمن يعمل مثقال ذرة قال المفسرون: من يعمل في الدنيا مثقال ذرة من الخير أو الشر يره وقرأ أبان [ ص: 205 ] عن عاصم " يره " بضم الياء في الحرفين . وقد بينا معنى " الذرة " في سورة [النساء: 40] وفي معنى هذه الرؤية قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه يراه في كتابه .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: يرى جزاءه . وذكر مقاتل: أنها نزلت في رجلين كانا بالمدينة، كان أحدهما يستقل أن يعطي السائل الكسرة، أو التمرة . وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير، فأنزل الله عز وجل هذا يرغبهم في القليل من الخير، ويحذرهم اليسير من الشر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية