الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا

                                                                                                                                                                                                                                      قال أي: ذو القرنين لمن عنده من أهل تلك الديار، وغيرهم هذا إشارة إلى السد، وقيل: إلى تمكينه من بنائه، والفضل للمتقدم، أي: هذا الذي ظهر على يدي، وحصل بمباشرتي من السد الذي شأنه ما ذكر من المتانة، وصعوبة المنال. رحمة أي: أثر رحمة عظيمة عبر عنه بها مبالغة من ربي على كافة العباد لا سيما على مجاوريه. وفيه إيذان بأنه ليس من قبيل الآثار الحاصلة بمباشرة الخلق عادة، بل هو إحسان إلهي محض، وإن ظهر بمباشرتي، والتعرض لوصف الربوبية لتربية معنى الرحمة. فإذا جاء وعد ربي مصدر بمعنى المفعول، وهو يوم القيامة، لا خروج يأجوج ومأجوج كما قيل. إذ لا يساعده النظم الكريم، والمراد بمجيئه: ما ينتظم مجيئه، ومجيء مبادئه من خروجهم، وخروج الدجال، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، ونحو ذلك. لا دنو وقوعه فقط، كما قيل. فإن بعض الأمور التي ستحكى تقع بعد مجيئه حتما. جعله أي: السد المشار إليه مع متانته ورصانته، وفيه من الجزالة ما ليس في توجيه الإشارة السابقة إلى التمكين المذكور دكاء أي: أرضا مستوية، وقرئ: (دكا) أي: مدكوكا مسوى بالأرض، وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك، ومنه الجمل الأدك، أي: المنبسط السنام، وهذا الجعل وقت مجيء الوعد بمجيء بعض مبادئه، وفيه بيان لعظم قدرته عز [ ص: 247 ] وجل بعد بيان سعة رحمته . وكان وعد ربي أي: وعده المعهود، أو كل ما وعد به، فيدخل فيه ذلك دخولا أوليا. حقا ثابتا لا محالة واقعا البتة، وهذه الجملة تذييل من ذي القرنين لما ذكره من الجملة الشرطية، ومقرر مؤكد لمضمونها، وهو آخر ما حكي من قصته. وقوله عز وجل:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية