الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب ما جاء في القسامة nindex.php?page=treesubj&link=9459_9461 [ ص: 44 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار { nindex.php?page=hadith&LINKID=1453أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي
3033 - وعن سهل بن أبي حثمة قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=15924انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهو يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال كبر كبر وهو أحدث القوم فسكت فتكلما قال أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم فقالوا وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا كيف نأخذ أيمان قوم كفار فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده } رواه الجماعة .
3034 - وفي رواية متفق عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=44151يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته فقالوا أمر لم نشهده كيف نحلف قال فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم قالوا يا رسول الله قوم كفار } وذكر الحديث بنحوه وهو حجة لمن قال : لا يقسمون على أكثر من واحد
3035 - وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=16783تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا ثم نسلمه } وفي رواية متفق عليها { nindex.php?page=hadith&LINKID=24436فقال لهم تأتون بالبينة على من قتله قالوا ما لنا من بينة قال فيحلفون قالوا لا نرضى بأيمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة }
قوله : ( ما جاء في القسامة ) بفتح القاف وتخفيف السين المهملة وهي مصدر أقسم ، والمراد بها الأيمان واشتقاق القسامة من القسم كاشتقاق الجماعة من الجمع . وقد حكى إمام الحرمين أن القسامة عند الفقهاء اسم للأيمان . وعند أهل اللغة اسم للحالفين ، وقد صرح بذلك في القاموس . وقال في الضياء : إنها الأيمان . وقال في المحكم : إنها في اللغة [ ص: 45 ] الجماعة ثم أطلقت على الأيمان .
قوله : ( أقر nindex.php?page=treesubj&link=9459القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية ) القسامة في الجاهلية قد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي صفتها عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى ، فانطلق معه في إبله ، فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فقال : أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل ، فأعطاه عقالا فشد به عروة جوالقه ، فلما نزلوا عقلت الإبل إلا بعيرا واحدا ، فقال الذي استأجره : ما بال هذا البعير لم يعقل من بين الإبل ، قال : ليس له عقال ، قال : فأين عقاله ؟ فحذفه بعصا كان فيه أجله ، فمر به رجل من أهل اليمن فقال : أتشهد الموسم ؟ قال : ما أشهده وربما شهدته . قال : هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر ؟ قال : نعم ، قال : فإذا شهدت فناد يا قريش ، فإذا أجابوك فناد يا آل هاشم ، فإن أجابوك فسل عن أبي طالب فأخبره أن فلانا قتلني في عقال ومات المستأجر . فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال : ما فعل صاحبنا ؟ قال : مرض فأحسنت القيام عليه ووليت دفنه ، قال : قد كان أهل ذاك منك ، فمكث حينا ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال يا قريش ، قالوا : هذه قريش ، قال : يا آل بني هاشم ، قالوا : هذه بنو هاشم . قال : أين أبو طالب ؟ قالوا : هذا أبو طالب ، قال : أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانا قتله في عقال ، فأتاه أبو طالب فقال : اختر منا إحدى ثلاث : إن شئت أن تودي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا ، وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله ، فإن أبيت قتلناك به ، فأتى قومه فأخبرهم ، فقالوا : نحلف ، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم كانت قد ولدت منه ، فقالت : يا أبا طالب أحب أن تجير ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ، ففعل فأتاه رجل منهم فقال : يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل فيصيب كل رجل منهم بعيران ، هذان البعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان ، فقبلهما ، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف انتهى .
وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=2663أن القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين أناس من الأنصار من بني حارثة ادعوا على اليهود } .
قوله : ( عن سهل بن أبي حثمة قال انطلق ) ، هكذا في كثير من روايات nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم " عن رجال من كبراء قومه " وفي أخرى له " عن رجل من كبراء قومه " . قوله : ( ومحيصة ) قد تقدم ضبطه في الباب الذي قبل هذا وهو ابن عم عبد الله بن سهل . قوله : ( يتشحط [ ص: 46 ] في دمه ) بالشين المعجمة والحاء المهملة المشددة بعدها طاء مهملة أيضا وهو الاضطراب في الدم . كما في القاموس .
وقد روي التخفيف فيه وفي محيصة . قوله : ( كبر كبر ) أي دع من هو أكبر منك سنا يتكلم ، هكذا في رواية يحيى بن سعيد أن الذي تكلم هو عبد الرحمن بن سهل وكان أصغرهم .
وفي رواية أن الذي تكلم هو محيصة وكان أصغر من حويصة . قوله : ( أتحلفون وتستحقون صاحبكم ) فيه دليل على nindex.php?page=treesubj&link=9459مشروعية القسامة .
وإليه ذهب جمهور الصحابة والتابعين والعلماء من الحجاز والكوفة والشام ، حكى ذلك القاضي عياض ، ولم يختلف هؤلاء في الجملة إنما اختلفوا في التفاصيل على ما سيأتي بيانه . وروى القاضي عياض عن جماعة من السلف منهم nindex.php?page=showalam&ids=12134أبو قلابة nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله والحكم بن عتيبة nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار وإبراهيم بن علية nindex.php?page=showalam&ids=14429ومسلم بن خالد
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز في رواية عنه أن القسامة غير ثابتة لمخالفتها لأصول الشريعة من وجوه : منها : أن البينة على المدعي واليمين على المنكر في أصل الشرع . ومنها : أن اليمين لا يجوز إلا على ما علمه الإنسان قطعا بالمشاهدة الحسية أو ما يقوم مقامها . وأيضا لم يكن في حديث الباب حكم بالقسامة ، وإنما كانت القسامة من أحكام الجاهلية فتلطف لهم النبي صلى الله عليه وسلم ليريهم كيف بطلانها ، وإلى عدم ثبوت القسامة أيضا ذهب الناصر كما حكاه عنه صاحب البحر .
وأجيب بأن القسامة أصل من أصول الشريعة مستقل لورود الدليل بها فتخصص بها الأدلة العامة ، وفيها حفظ للدماء وزجر للمعتدين ، ولا يحل طرح سنة خاصة لأجل سنة عامة ، وعدم الحكم في حديث سهل بن أبي حثمة لا يستلزم عدم الحكم مطلقا ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد عرض على المتخاصمين اليمين وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=94850إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب } كما في رواية متفق عليها ، وهو لا يعرض إلا ما كان شرعا .
وأما دعوى أنه قال ذلك للتلطف بهم وإنزالهم من حكم الجاهلية فباطلة ، كيف وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=233أبي سلمة المذكور في الباب { nindex.php?page=hadith&LINKID=1453أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية } .
وقد قدمنا صفة الواقعة التي وقعت لأبي طالب مع قاتل الهاشمي .
وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=40032وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا بين قريتين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذرع ما بينهما ، فوجده أقرب إلى أحد الجانبين بشبر فألقى ديته عليهم } قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : تفرد به أبو إسرائيل عن nindex.php?page=showalam&ids=16574عطية ولا يحتج بهما .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي : هذا الحديث ليس له أصل .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن الشعبي " أن قتيلا وجد بين وادعة وشاكر ، فأمرهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أن يقيسوا ما بينهما فوجدوه إلى وادعة أقرب ، فأحلفهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر خمسين يمينا ، كل رجل ما قتلته ولا علمت قاتله ، ثم أغرمهم الدية ، فقالوا : يا أمير المؤمنين لا أيماننا دفعت [ ص: 47 ] عن أموالنا ، ولا أموالنا دفعت عن أيماننا ؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : كذلك الحق " وأخرج نحوه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، وفيه أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=40032إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وسلم } قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منكر ، وفيه عمر بن صبح أجمعوا على تركه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ليس بتكذيب إنما رواه الشعبي عن nindex.php?page=showalam&ids=14057الحارث الأعور . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16878مجالد عن الشعبي عن nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع لكن لم يسمعه أبو إسحاق من الحارث وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=16560وعراك بن مالك أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على أصبع رجل من جهينة فمات ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر للذين ادعى عليهم : أتحلفون خمسين يمينا ما مات منها ، فأبوا ، فقال للآخرين : احلفوا أنتم ، فأبوا ، فقضى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بشطر الدية على السعديين ، وسيأتي حكمه صلى الله عليه وسلم على اليهود بالدية . قوله : ( فيدفع برمته ) قد تقدم ضبط الرمة وتفسيرها في الباب الأول .
وقد استدل بهذا من قال : إنه يجب nindex.php?page=treesubj&link=9493القود بالقسامة ، وإليه ذهب الزهري nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبو الزناد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد قوليه nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ومعظم الحجازيين . وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير . واختلف في ذلك على nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز .
وحكى في البحر عن أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية والمرتضى nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في أحد قوليه أنه لا يجب القود بالقسامة ، وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين وكثير من البصريين وبعض المدنيين nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري والأوزاعي والهادوية ، بل الواجب عندهم جميعا اليمين ، فيحلف خمسون رجلا من أهل القرية خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا قاتله ، ولا يمين على المدعي ، فإن حلفوا لزمتهم الدية عند جمهورهم . وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن الحسن أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر والجماعة الأولى لم يكونوا يقتلون بالقسامة .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أن القسامة إنما توجب العقل ولا تشيط الدم وقال nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في مصنفه : قلت لعبيد الله بن عمر العمري : أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة ؟ قال : لا ، قلت : فأبو بكر ؟ قال : لا ، قلت : فعمر ؟ قال : لا ، قلت : فلم تجترئون عليها ؟ فسكت .
وقد استدل بقوله صلى الله عليه وسلم : " تقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته " nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في المشهور عنه أن القسامة إنما تكون على رجل واحد . وقال الجمهور : يشترط أن تكون على معين سواء كان واحدا أو أكثر . واختلفوا nindex.php?page=treesubj&link=9493_9491_9476هل يختص القتل بواحد من الجماعة المعينين أو يقتل الكل . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : لهم أن يحلفوا على جماعة ويختاروا واحدا للقتل ويسجن الباقون عاما ويضربون مائة مائة . قال الحافظ : وهو قول لم يسبق إليه . وقال جماعة من أهل العلم : إن nindex.php?page=treesubj&link=9492_9493_9476شرط القسامة أن تكون على غير معين . [ ص: 48 ] واستدلوا على ذلك بحديث سهل بن أبي حثمة المذكور ، فإن الدعوى فيه وقعت على أهل خيبر من غير تعيين . ويجاب عن ذلك بأن غايته أن القسامة تصح على غير معين ، وليس فيه ما يدل على اشتراط كونها على غير معين ولا سيما وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية .
وقد قدمنا أن أول قسامة كانت في الجاهلية قسامة أبي طالب وهي دعوى على معين كما تقدم . فإن قيل : إذا كانت على معين كان الواجب في العمد القود ، وفي الخطإ الدية فما وجه إيجاب القسامة ؟ فيقال : لما لم يكن على ذلك المعين بينة ولم يحصل منه مصادقة كان ذلك مجرد لوث ، فإن اللوث في الأصل هو ما يثمر صدق الدعوى ، وله صور ذكرها صاحب البحر : منها : وجود القتيل في بلد يسكنه محصورون ، فإن كان يدخله غيرهم اشترط عداوة المستوطنين للقتيل كما في قصة أهل خيبر . ومنها : وجوده في صحراء وبالقرب منه رجل في يده سلاح مخضوب بالدم ولم يكن هناك غيره . ومنها وجوده بين صفي القتال ، ومنها : وجوده ميتا بين مزدحمين في سوق أو نحوه .
ومنها : كون الشهاد على القتل نساء أو صبيانا لا يقدر تواطؤهم على الكذب هذا معنى كلام البحر . ومن صور اللوث أن يقول المقتول في حياته دمي عند فلان أو هو قتلني أو نحو ذلك فإنها تثبت القسامة بذلك عندnindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث . وادعى nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن ذلك عليه الأئمة قديما وحديثا واعترض هذه الدعوى ابن العربي وفي الفتح أنه لم يقل بذلك غيرهما . ومنها : إذا كان الشهود غير عدول أو كان الشاهد واحدا فإنها تثبت القسامة عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث ، ولم يحك صاحب البحر nindex.php?page=treesubj&link=9463اشتراط اللوث إلا عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وحكي عن القاسمية والحنفية أنه لا يشترط . ورد بأن عدم الاشتراط غفلة عن أن الاختصاص بموضع الجناية نوع من اللوث والقسامة لا تثبت بدونه .
قوله : ( فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم ) أي يخلصونكم عن الأيمان بأن يحلفوا ، فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم أنتم من الأيمان . والجمع بين هذه الرواية والرواية الأخرى التي فيها تقديم طلب البينة على اليمين حيث قال : " يأتون بالبينة على من قتله ، قالوا : ما لنا بينة " بأن يقال : إن الرواية الأخرى مشتملة على زيادة وهي طلب البينة أولا ثم اليمين ثانيا ، ولا وجه لما زعمه بعضهم من كون طلب البينة وهما في الرواية المذكورة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين . قال الحافظ : إن سلم أنه لم يسكن مع اليهود أحد من المسلمين في خيبر فقد ثبت في نفس القصة أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرا ، فيجوز أن يكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك ، ثم قال : وقد وجدنا لطلب البينة في هذه القصة شاهدا ، وذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب وحديث nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج المتقدمين في الباب الأول .
قوله : ( أن يبطل دمه ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري [ ص: 49 ] أن يطل دمه " بضم أوله وفتح الطاء وتشديد اللام : أي يهدر قوله : ( فوداه بمائة من إبل الصدقة ) في الرواية الأولى " فعقله " أي أعطى ديته .
وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عقله " والعقل : الدية كما تقدم . وقد زعم بعضهم أن قوله : " من إبل الصدقة " غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله : " فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده " وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده ، أو المراد بقوله : " من عنده " أي من بيت المال المرصد للمصالح وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانا . وحمله بعضهم على ظاهره .
وقد حكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز nindex.php?page=treesubj&link=9514_9507_9490_9492_3242صرف الزكاة في المصالح العامة ، واستدل بهذا الحديث وغيره . قال القاضي عياض : وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعى عليهم في اليمين إلا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد فقالا بقول الجمهور يبدأ بالمدعين وردها إن أبوا على المدعى عليهم ، وقال بعكسه أهل الكوفة وكثير من أهل البصرة وبعض أهل المدينة . وقال الأوزاعي : يستحلف من أهل القرية خمسون رجلا خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا من قتله ، فإن حلفوا برئوا ، وإن نقصت قسامتهم عن عدد أو نكول حلف المدعون على رجل واحد واستحقوا دمه ، فإن نقصت قسامتهم عادت دية ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي : يبدأ المدعى عليهم بالأيمان ، فإن حلفوا فلا شيء عليهم . وقال الكوفيون : إذا حلفوا وجبت عليهم الدية .
قال في الفتح : واتفقوا كلهم على أنها لا تجب القسامة بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترن بها شبهة يغلب على الظن الحكم بها . واختلفوا في تصوير الشبهة على سبعة أوجه ثم ذكرها وذكر الخلاف في كل واحدة منها ، وهي ما أسلفناه في بيان nindex.php?page=treesubj&link=9480_9467صور اللوث . قال في الفتح بعد أن ذكر السابعة من تلك الصور وهي أن يوجد القتيل في محلة أو قبيلة أنه لا يوجب القسامة عند nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وأتباعهم إلا هذه الصورة ولا يجب فيما سواها . وبهذا يتبين لك أن عدم اشتراط اللوث مطلقا بعد الاتفاق على تفسيره بما سلف غير صحيح . ومن nindex.php?page=treesubj&link=9459_9461شروط القسامة عند الجميع إلا الحنفية أن يوجد بالقتيل أثر . والحاصل أن أحكام القسامة مضطربة غاية الاضطراب ، والأدلة فيها واردة على أنحاء مختلفة ، ومذاهب العلماء في تفاصيلها متنوعة إلى أنواع ، ومتشعبة إلى شعب ، فمن رام الإحاطة بها فعليه بكتب الخلاف ومطولات شروح الحديث .