الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        66 - الحديث الرابع : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول } .

                                        التالي السابق


                                        الكلام عليه من وجوه :

                                        أحدها : إجابة المؤذن مطلوبة بالاتفاق ، وهذا الحديث دليل على ذلك . ثم اختلف العلماء في كيفية الإجابة ، وظاهر هذا الحديث : أن الإجابة تكون بحكاية لفظ المؤذن في جميع ألفاظ الأذان ، وذهب الشافعي إلى أن سامع المؤذن يبدل الحيعلة بالحولقة - ويقال الحوقلة - لحديث ورد فيها ، وقدمه على الأول لخصوصه وعموم هذا . وذكر فيه من المعنى : أن الأذكار الخارجة عن الحيعلة يحصل ثوابها بذكرها ، فيشترك السامع والمؤذن في ثوابها إذا حكاها السامع ، وأما [ ص: 211 ] الحيعلة : فمقصودها الدعاء ، وذلك يحصل من المؤذن وحده ، ولا يحصل مقصوده من السامع ، فعوض عن الثواب الذي يفوته بالحيعلة الثواب الذي يحصل له بالحوقلة ، ومن العلماء من قال : يحكيه إلى آخر التشهدين فقط .

                                        الثاني : المختار : أن يكون حكاية قول المؤذن في كل لفظة من ألفاظ الأذان عقيب قوله . وعلى هذا فقوله " إذا سمعتم المؤذن " محمول على سماع كل كلمة منه . والفاء تقتضي التعقيب . فإذا حمل على ما ذكرناه : اقتضى تعقيب قول المؤذن بقول الحاكي . وفي اللفظ احتمال لغير ذلك .

                                        الثالث : اختلفوا في أنه إذا سمعه في حال الصلاة : هل يجيبه أم لا ؟ على ثلاثة أقوال للعلماء :

                                        أحدها : أنه يجيب ، لعموم هذا الحديث ، والثاني : لا يجيب ; لأن في الصلاة شغلا . كما ورد . حديث ابن مسعود رضي الله عنه متفق عليه . والثالث : الفرق بين الفريضة والنافلة دون الفريضة ; لأن أمر النافلة أخف . وذكر بعض مصنفي أصحاب الشافعي : أنه هل يكره إجابته في الأذكار التي في الأذان إذا كان في الصلاة ؟ وجهان ، مع الجزم بأنها لا تبطل . وهذا ينبغي أن يخص بما إذا كان في غير قراءة الفاتحة . أما الحيعلة : فإما أن يجيب بلفظها أو لا . فإن أجاب بالحوقلة لم تبطل ; لأنه ذكر ، كما في غيرها من الذكر الذي في الأذان . وإن أجاب بلفظها بطلت ، إلا أن يكون ناسيا ، أو جاهلا بأنه يبطل الصلاة .

                                        وذكر أصحاب مالك في هذه الصورة قولين - أعني إذا قال " حي على الصلاة " في الصلاة - هل تبطل ؟ والذين قالوا بالبطلان عللوه بأنه مخاطبة للآدميين . فأبطل بخلاف بقية ألفاظ الأذان التي هي ذكر ، والصلاة محل الذكر .

                                        ووجه من قال بعدم البطلان : ظاهر هذا الحديث وعمومه ، ومن جهة المعنى : أنه لا يقصد بقوله " حي على الصلاة " دعاء الناس إلى الصلاة ، بل حكاية ألفاظ الأذان .

                                        الرابع : في الحديث دليل أن لفظة " المثل " لا تقتضي المساواة من كل وجه ، فإنه قال " فقولوا مثل ما يقول المؤذن " ولا يراد بذلك المماثلة في كل الأوصاف ، حتى رفع الصوت .

                                        الخامس : قيل في مناسبة جواب الحيطة بالحوقلة : إنه لما دعاهم إلى [ ص: 212 ] الحضور أجابوا بقولهم " لا حول ولا قوة إلا بالله " أي بمعونته وتأييده . والحول والقوة غير مترادفتين ، فالقوة القدرة على الشيء ، والحول : الاحتيال في تحصيله والمحاولة له . والله أعلم بالصواب .




                                        الخدمات العلمية