الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب أذكاره ودعواته- صلى الله عليه وسلم-

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في آدابه- صلى الله عليه وسلم- في دعائه

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في استفتاح دعائه- صلى الله عليه وسلم- بالثناء على الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي شيبة ، عن سلمة بن الأكوع- رضي الله تعالى عنه- قال : «ما سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستفتح دعاء إلا استفتحه بـ «سبحان ربي الأعلى العلي الوهاب» . ورجاله رجال الصحيح ، غير عمر بن راشد اليماني ، وثقه جماعة .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في أنه- صلى الله عليه وسلم- كان لا يسجع في دعائه .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، عن الشعبي- رحمه الله تعالى- أن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت له : اجتنب السجع من الدعاء ، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا لا يفعلون» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في تكراره- صلى الله عليه وسلم- في دعائه ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة الآية .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو الحسن بن الضحاك ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- له دعاء بمائة مرة يفتح بها ويختم بها ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ولو دعا بدعوتين لجعلها إحداهما» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى بقي بن مخلد عنه- قال : كان في أول دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي وسطه ، وفي آخره ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في رفعه- صلى الله عليه وسلم- يديه في دعائه وكيفية رفعهما :

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطيالسي ، عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لما أصابه الكرب يوم الأحزاب ألقى رداءه ، وقام متجردا ورفع يديه مدا ودعا» . [ ص: 509 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسدد برجال الصحيح ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أنها رأت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو يرفع يديه» الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى ، عن البراء- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أصابته شدة ودعا رفع يديه في الدعاء حتى رئي بياض إبطيه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة ، عن إبراهيم بن محمد ، قال : «أخبرني من رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند أحجار الزيت يدعو هكذا ، ببياض كفيه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد- بسند حسن- عن خلاد بن السائب الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سأل جعل باطن كفيه إليه ، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا الإمام أحمد- برجال الصحيح- عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه ، يدعو حتى أني لأسأم له مما يرفعهما» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار ، والطبراني- برجال ثقات- وفيه إرسال عن أنس- رضي الله تعالى عنه- : «رفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يديه بعرفة يدعو ، فقال أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- هذا الابتهال ، ثم حاصت الناقة ففتح إحدى يديه ، فأخذها وهو رافع الأخرى» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن خالد بن السائب ، عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا دعا رفع راحتيه إلى وجهه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني- برجال ثقات- عن عبد الله بن الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال : لم يكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود ، عن أنس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما» . رواه ابن عدي بسند ضعيف ، وزاد : «والله- يدعو بظاهرهما» . [ ص: 510 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وأبو الحسن بن الضحاك ، عنه ، قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دعا رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى القاضي أبو بكر الشافعي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه يدعو لأسأم مما يرفعهما» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعرفة بالموقف ، ويده إلى صدره كاستطعام المسكين» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو بعرفة هكذا ، ورفع علي بن الجعد يديه إلى السماء باطنهما إلى الأرض ، وظاهرهما إلى السماء» وروى ابن عدي- بسند ضعيف- عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو هكذا وبسط سريج كفه اليسرى ، وقال بإصبعه اليمنى يحركهما ، وفي لفظ : يحركها بسبابته» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر بن خيثمة ، عن عمارة- رضي الله تعالى عنه- قال : «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو على المنبر يشير بأصابعه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم ، والبرقاني ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، وحميد ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استسقى فمد يديه هكذا وأومأ بيده حيال ثندوتيه وفي لفظ : ثندوته ، وجعل بطونهما إلى الأرض ، حتى رأينا بياض إبطيه وهو على المنبر» .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في مسحه بيديه بعد فراغه من الدعاء ، وتكريره الدعاء بنفسه إذا دعا ، وتأمينه على دعاء غيره :

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو الحسن بن الضحاك ، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : «ما مد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يديه في دعاء فقبضهما إليه حتى يمسح بهما وجهه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبيهقي- بسند فيه ابن لهيعة- عن يزيد ابن أخت النمر الكندي : «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا دعا رفع يديه ، ومسح وجهه بيديه» . [ ص: 511 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي- وقال : غريب- عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني- برجال ثقات- وأبو داود ، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يدعو ثلاثا ، ويستغفر ثلاثا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البرقاني في «صحيحه» عنه ، قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دعا دعا ثلاثا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني- بسند حسن- عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دعا بدأ بنفسه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- وعن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه» . [ ص: 512 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية