الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثانية قوله تعالى . { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم } .

                                                                                                                                                                                                              فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : قوله : { حين تقوم } فيه أربعة أقوال : الأول : المعنى فيه حين تقوم من المجلس ليكفره .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : حين تقوم من النوم ، ليكون مفتتحا به كلامه .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : حين تقوم من نوم القائلة ، وهي الظهر .

                                                                                                                                                                                                              الرابع : التسبيح في الصلاة .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : أما قول من قال : إن معناه حين تقوم من المجلس فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من جلس مجلسا يكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت ، وأستغفرك ، وأتوب إليك إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك } . وهذا الحديث معلول . جاء مسلم بن الحجاج إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه ، وقال : دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله ، حدثك محمد بن سلام ، حدثنا مخلد بن يزيد ، أخبرنا ابن جريج ، حدثني موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس فما علته ؟ قال محمد بن إسماعيل : هذا حديث مليح ، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد ، إلا أنه معلول .

                                                                                                                                                                                                              حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا وهيب ، أنبأنا سهيل عن عون بن عبد الله ، قوله قال [ ص: 141 ] أنبأنا محمد بن إسماعيل هذا أولى ، فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل .

                                                                                                                                                                                                              قال القاضي ابن العربي : أراد البخاري أن حديث عون بن عبد الله من قوله حمله سهيل على هذا الحديث حتى تغير حفظه بآخرة ; فهذه معان لا يحسنها إلا العلماء بالحديث ، فأما أهل الفقه فهم عنها بمعزل .

                                                                                                                                                                                                              والحديث الصحيح في هذا المعنى ما روى ابن عمر قال { : كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد قبل أن يقوم مائة مرة : رب اغفر لي وتب علي } .

                                                                                                                                                                                                              وأما قوله حين يقوم يعني من الليل ففي ذلك روايات كثيرة : في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال { : من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، سبحان الله وبحمده ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم } وفي بعض روايات سقوط التهليل .

                                                                                                                                                                                                              الثاني وروي عنه { أنه قرأ العشر الخواتم من سورة آل عمران } .

                                                                                                                                                                                                              وروي عنه أنه كان يقول : { اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ، وأنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلفوا فيه من الحق ، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم } .

                                                                                                                                                                                                              وأما نوم القائلة فليس فيه أثر ، وهو يلحق بنوم الليل ، ويدخل فيه الصبح لنوم الليل ، والظهر لنوم القائل ، وهو أصل التسبيح .

                                                                                                                                                                                                              وأما من قال : إنه تسبيح الصلاة فهو أفضله ، والآثار في ذلك كثيرة ، أعظمها ما ثبت عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان إذا قام للصلاة المكتوبة رفع يديه حذو منكبيه ، ويصنع ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع ، ويضعها إذا رفع رأسه من الركوع ، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد ، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر ويقول حين يفتتح الصلاة بعد التكبير : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ; إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين [ ص: 142 ] لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك أنت ربي ، وأنا عبدك ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا ، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك والشر ليس إليك ، وإنا بك وإليك لا منجى منك ، ولا ملجأ إلا إليك ، أستغفرك وأتوب إليك } .

                                                                                                                                                                                                              وفي الصحيح عن عبد الله بن عمر عن أبي بكر الصديق أنه { قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ; علمني دعاء أدعو به في صلاتي . فقال : قل رب إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، وإني أعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي من عندك ، وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم } .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية