الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الخصيصة الرابعة : القرعة ، وفيها طرفان : أحدهما في محلها ، [ ص: 139 ] وهو أن يعتق في مرض موته عبيدا دفعة ، ويقصر عنهم ثلث ماله ، ولا يجيز الورثة عتقهم ، فيقرع بينهم لتجتمع الحرية في بعضهم ، فيعتق ، أو يقرب من العتق . وفي الضابط قيود ، أحدها : وقوع الإعتاق في مرض الموت ، فإذا انتفى عتقوا كلهم .

                                                                                                                                                                        الثاني : أن يعتقهم دفعة بأن يوكل بإعتاق كل واحد وكيلا ، فيعتقوا معا ، أو يقول : هؤلاء أحرار ، أو يقول لهم : أعتقتكم ، أو أنتم أحرار ، فإن أعتقهم أولا قدم الأول فالأول ، إلى تمام الثلث ، كقوله : سالم حر ، وغانم حر ، وفائق حر ، فلو قال : سالم وغانم وفائق أحرار : فهو محل القرعة . ولو قال : سالم وغانم وفائق حر ، فعن القاضي أبي حامد أنه يراجع ، فإن قال : أردت حرية كل واحد منهم ، فهو كقوله : أنتم أحرار ، وإن قال : أردت حرية الأخير ، قبل ، ولا قرعة ، وإن قال : حرية غيره ، لم يقبل .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن يقصر عنهم ثلث ماله ، ولم تجز الورثة ، فإن وفى الثلث بهم ، أو أجاز الورثة ، عتقوا جميعا . ولو أوصى بإعتاق عبيد ، ولم يف الثلث بهم ، ولم يجز الورثة ، أقرع أيضا ، وسواء أوصى بإعتاقهم دفعة ، أو قال : أعتقوا فلانا ، ثم قال : أعتقوا فلانا ; لأن وقت الاستحقاق واحد ، وهو الموت ، بخلاف ما إذا رتب الإعتاق المنجز إلا أن يقيد ، فيقول : أعتقوا فلانا ثم فلانا ولو علق العتق بالموت ، فقال : إذا مت فأنتم أحرار ، أو أعتقتكم بعد موتي ، أو رتب فقال : إذا مت ، ففلان حر ، أقرع أيضا . وفي الوصية والتعليق وجه : أنه لا قرعة ، بل يعتق من كل واحد ثلثه ، والصحيح الأول . ولو قال : أعتقت ثلث كل واحد منكم ، أو أثلاث هؤلاء أحرار ، فوجهان ، أحدهما : لا يقرع ، [ ص: 140 ] بل يعتق من كل واحد ثلثه لتصريحه بالتبعيض . وأصحهما : يقرع ، وقد سبق في الوصايا أنه لو قال : أعتقت ثلثكم ، أو ثلثكم حر ، فهو كقوله : أعتقتكم أم كقوله أثلاث هؤلاء أحرار ، فيه طريقان ، وأنه لو أضاف إلى الموت فقال : ثلث كل واحد حر بعد موتي ، أو أثلاث هؤلاء أحرار بعد موتي ، عتق من كل واحد ثلثه ، ولا قرعة على الصحيح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يعتبر لمعرفة الثلث فيمن أعتقه منجزا في المرض قيمة يوم الإعتاق ، وفيمن أوصى بعتقه قيمة يوم الموت أقل ، فالزيادة حصلت في ملكهم وإن كانت يوم القبض أقل ، فما نقص قبل ذلك ، لم يدخل في يدهم ، فلا يحسب عليهم ، كالذي يغصب ، أو يضيع من التركة قبل قبضهم ، وإذا أنجز إعتاق عبد ، وأوصى بإعتاق آخر ، قومنا المنجز حال إعتاقه ، والآخر حال الموت ، وبقية التركة بأقل القيمتين ، فإن بقي شيء من الثلث ، عتقا ، وإن خرج أحدهما ، أعتقنا المنجز ، فإن بقي شيء من الثلث ، أعتقنا بقدره من الموصى بإعتاقه ، وإن نقص الثلث ، أعتقنا من المنجز بقدره . ولو أعتق في المرض عبدا مبهما ، بأن قال أحد هؤلاء حر ، أو أوصى بإعتاق واحد منهم ، بأن قال : أعتقوا أحدهم ، ففي " جمع الجوامع " للروياني أنه يكتب رقعة للعتق ، وأخرى للوصية بإعتاق ، ورقعتان للتركة ، فمن خرج له العتق ، فكأنه أعتقه بعينه ، ومن خرج له الوصية ، فكأنه أوصى بإعتاقه ، ثم يكون الحكم كما سبق . وفي " الشامل " أنه يميز الثلث بالقرعة أولا ، ثم يميز بين المنجز والآخر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية