الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ووجه الربط على القراءة المشهورة حسبما تقدم من تفسيرها أنه سبحانه لما ذكر قصة أصحاب الكهف وكانت من المغيبات بالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم ودل اشتمال القرآن عليها على [ ص: 257 ] أنه وحي معجز من حيثية الاشتمال وإن كانت جهة إعجازه غير منحصرة في ذلك أمره جل شأنه بالمواظبة على درسه بقوله سبحانه: واتل إلخ وهو أمر من التلاوة بمعنى القراءة؛ أي: لازم تلاوة ذلك على أصحابك أو مطلقا ولا تكترث بقول من يقول لك: ائت بقرآن غير هذا أو بدله، وجوز أن يكون: اتل أمرا من التلو بمعنى الاتباع أي اتبع ما أوحي إليك والزم العمل به، وقيل: وجه الربط أنه سبحانه لما نهاه عن المراء المتعمق فيه وعن الاستفتاء أمره سبحانه بأن يتلو ما أوحي إليه من أمرهم فكأنه قيل: اقرأ ما أوحي إليك من أمرهم واستغن به ولا تتعرض لأكثر من ذلك أو اتبع ذلك وخذ به ولا تتعمق في جدالهم ولا تستفت أحدا منهم فالكلام متعلق بما تقدم من النواهي، والمراد بما أوحي إلخ هو الآيات المتضمنة شرح قصة أصحاب الكهف، وقيل: متعلق بقوله تعالى: قل الله أعلم بما لبثوا أي: قل لهم ذلك واتل عليهم أخباره عن مدة لبثهم فالمراد بما أوحي إلخ ما تضمن هذا الإخبار، وهذا دون ما قبله بكثير، بل لا ينبغي أن يلتفت إليه، والمعول عليه أن المراد بما أوحي ما هو أعم مما تضمن القصة وغيره من كتابه تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      لا مبدل لكلماته لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها غيره، وأما هو سبحانه فقدرته شاملة لكل شيء يمحو ما يشاء ويثبت، ويعلم مما ذكر اندفاع ما قيل: إن التبديل واقع لقوله تعالى: وإذا بدلنا آية ، والظاهر عموم الكلمات الأخبار وغيرها، ومن هنا قال الطبرسي: المعنى: لا مغير لما أخبر به تعالى ولا لما أمر، والكلام على حذف مضاف؛ أي: لا مبدل لحكم كلماته انتهى، لكن أنت تعلم أن الخبر لا يقبل التبديل أي النسخ فلا تتعلق به الإرادة حتى تتعلق به القدرة لئلا يلزم الكذب المستحيل عليه عز شأنه. ومنهم من خص الكلمات بالإخبار لأن المقام للإخبار عن قصة أصحاب الكهف وعليه لا يحتاج إلى تخصيص النكرة المنفية لما سمعت من حال الخبر، وقول الإمام: إن النسخ في الحقيقة ليس بتبديل؛ لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ، فالناسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلا، توهم لا يقتدى به.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الناس من خص الكلمات بمواعيده تعالى لعباده الموحدين فكأنه قيل: اتل ما أوحي إليك ولا تبال بالكفرة المعاندين، فإنه قد تضمن من وعد الموحدين ما تضمن ولا مبدل لذلك الوعد، ومآله: اتل ولا تبال؛ فإن الله تعالى ناصرك وناصر أصحابك وهو كما ترى، وإن كان أشد مناسبة لما بعد، والضمير على ما يظهر من مجمع البيان للكتاب، ويجوز أن يكون للرب تعالى كما هو الظاهر في الضمير في قوله سبحانه:

                                                                                                                                                                                                                                      ولن تجد من دونه ملتحدا أي: ملجأ تعدل إليه عند إلمام ملمة، وقال الإمام في البيان والإرشاد: وأصله من الالتحاد بمعنى الميل، وجوز الراغب فيه أن يكون اسم مكان وأن يكون مصدرا، وفسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هنا بالمدخل في الأرض، وأنشد عليه حين سأله نافع بن الأزرق قول خصيب الضمري:


                                                                                                                                                                                                                                      يا لهف نفسي ولهف غير مجدية عني وما عن قضاء الله ملتحد



                                                                                                                                                                                                                                      ولا داعي فيه لتفسيره بالمدخل في الأرض ليلتجأ إليه، ثم إذا كان المعنى بالخطاب سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم فالكلام مبني على الفرض، والتقدير إذ هو عليه الصلاة والسلام بل خلص أمته لا تحدثهم أنفسهم بطلب ملجأ غيره تعالى، نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن التجأ إليه وعول في جميع أموره عليه فكفاه جل وعلا ما أهمه وكشف عنه غياهب كل غمه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية