الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                قال في خزانة الفتاوى : إذا مات القاضي انعزل خلفاؤه ، ولو مات واحد من الولاة انعزل خلفاؤه ، ولو مات الخليفة لا تنعزل ولاته وقضاته ( انتهى ) .

                وفي الخلاصة ، وفي هداية الناطفي : لو مات القاضي انعزل خلفاؤه ; وكذا موت أمراء الناحية ، بخلاف [ ص: 387 ] موت الخليفة . السلطان إذا عزل القاضي انعزل النائب ، بخلاف موت القاضي ، 235 - وفي المحيط إذا عزل السلطان القاضي انعزل نائبه ، بخلاف ما إذا مات القاضي ، حيث لا ينعزل نائبه ، هكذا قيل . 236 - وينبغي أن لا ينعزل النائب بعزل القاضي ; لأنه نائب السلطان أو نائب العامة . ألا ترى أنه لا ينعزل بموت القاضي ؟ 237 - وعليه كثير من المشايخ رحمهم الله ( انتهى ) .

                وفي البزازية : 238 - مات الخليفة وله أمراء وعمال فالكل على ولايته ، وفي المحيط مات القاضي انعزل خلفاؤه ، وكذا أمراء الناحية ، بخلاف موت الخليفة ، وإذا عزل القاضي ينعزل نائبه وإذا مات لا . [ ص: 388 ] والفتوى على أنه لا ينعزل بعزل القاضي ( انتهى ) .

                وفي العمادية وجامع الفصولين ، كما في الخلاصة ، وفي فتاوى قاضي خان : وإذا مات الخليفة لا ينعزل قضاته وعماله . وكذا لو كان القاضي مأذونا بالاستخلاف فاستخلف غيره ومات القاضي أو عزل لا ينعزل خليفته ( انتهى ) .

                فتحرر من ذلك اختلاف المشايخ في انعزال النائب بعزل القاضي وموته ، وقول البزازي : الفتوى على أنه لا ينعزل بعزل القاضي ، يدل على أن الفتوى على أنه لا ينعزل بموته بالأولى . لكن علله بأنه نائب السلطان 239 - فيدل على أن النواب الآن ينعزلون بعزل القاضي وموته 240 - لأنهم نواب القاضي من كل وجه ، [ ص: 389 ] فهو كالوكيل مع الموكل ، ولا يفهم أحد الآن أنه نائب السلطان . 242 - ولهذا قال العلامة ابن الغرس : ونائب القاضي في زماننا ينعزل بعزله وبموته فإنه نائبه من كل وجه ( انتهى ) .

                فهو كالوكيل مع الموكل ، 243 - لكن جعل في المعراج كونه كوكيل قاضي القضاة مذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله . وعندنا إنما هو نائب السلطان . [ ص: 390 ] وفي التتارخانية : إن القاضي إنما هو رسول عن السلطان في نصب النواب ( انتهى ) . وفي وقف القنية : لو مات القاضي أو عزل يبقى ما نصبه على حاله ، ثم رقم يبقى قيما ( انتهى ) .

                [ ص: 387 ]

                التالي السابق


                [ ص: 387 ] قوله : وفي المحيط إذا عزل السلطان القاضي انعزل إلخ . قال بعض الفضلاء : لم أر من ذكر وجها للفرق بين عزله وموته ، والذي ظهر لي أنه بالعزل أراد السلطان قطع شأفته بالمرة فينعزل نوابه كذلك بخلاف ما إذا مات . أو نقول : العرف في زمن من قال به قاض بذلك ( انتهى ) .

                ( 236 ) قوله : وينبغي أن لا ينعزل النائب بعزل القاضي . أي بعزل السلطان القاضي فالمصدر مضاف للمفعول والفاعل محذوف . ( 237 ) قوله : وعليه كثير من المشايخ ( انتهى ) .

                أي على أنه لا ينعزل بعزل القاضي ، وحينئذ فقوله ينبغي للوجوب لا للمستحب .

                ( 238 ) قوله : مات الخليفة وله أمراء وعمال فالكل على ولايته . أقول : يؤخذ منه أن وكيل بيت المال لا ينعزل بموت الإمام الأعظم قال التاج السبكي في مفيد النعم ومبيد النقم : هل ينعزل وكيل بيت المال بعزل الإمام الأعظم أو موته تردد في ذلك فقهاء العصر وكان الشيخ الإمام يرى أنه لا ينعزل بذلك ( انتهى ) .

                [ ص: 388 ] قوله : فيدل على أن النواب الآن ينعزلون بعزل القاضي وموته قيل مبنى هذه الدلالة حمل قول صاحب البزازية في التعليل ; لأنه نائب السلطان على أن المراد كون المستنيب للنائب المذكور هو السلطان بأن استنابه لا على أنه مستقل بل على أنه نائب القاضي ، بدليل قوله بأنهم نواب القاضي من كل وجه ، والذي يقتضيه النظر أن المراد كون النائب الذي استنابه القاضي نائبا عن السلطان في الحقيقة ، وإن كان في الظاهر نائبا عن القاضي يرشدك إليه قوله آنفا ; لأنه نائب السلطان أو العامة وحينئذ يمنع كونه نائب القاضي من كل وجه ، وإن نقله المصنف عن ابن الغرس ، إذ لو كان الكلام في نائب استنابه السلطان ، لصرح به صاحب البزازية وغيره بذلك ومما يدل على ما ذكرنا من كون المراد أن النائب نائب عن السلطان حقيقة مع استنابة القاضي إياه ما حكاه عن التتارخانية الآتي قريبا من قوله : أن القاضي إنما هو رسول عن السلطان في نصب النواب .

                ( 240 ) قوله : لأنهم نواب القاضي من كل وجه . قيل عليه : فيه نظر ; لأنه كيف يقال إنهم نواب القاضي من كل وجه مع أن القاضي ليس له أن يستخلف إلا أن [ ص: 389 ] يفوض إليه ذلك ولو دلالة ، كما إذا ولاه قاضي القضاة كما يأتي في محله وحينئذ فالولاية منسوبة للمولي لا إلى القاضي فكيف أنه نائب القاضي من كل وجه .

                ( 241 ) قوله : فهو كالوكيل مع الموكل . قيل عليه : هذا يشهد عليه لا له ; ; لأن الوكيل ليس له أن يوكل غيره إلا بإذن وبعد الإذن تكون الولاية منسوبة للموكل حتى أن الوكيل ليس له عزله كما ذكر في محله .

                ( 242 ) قوله : ولهذا قال العلامة ابن الغرس إلخ . ظاهره أنه ارتضى كلام ابن الغرس ، وهو مخالف لما أفتى به حيث سئل عما صورته ما يفيده مولانا فيما ذكر العلامة بدر الدين بن الغرس في كتابه المسمى بالفوائد البدرية في أطراف القضايا الحكمية من أن نائب القاضي في زماننا ينعزل بعزله وبموته ، فإنه نائبه من كل وجه . والقضاء من المناصب الدينية التي يصح العزل بها بسبب وبغيره ( انتهى )

                والمقصود بيان المعتمد في ذلك وتحرير هذه القضية أجاب رحمه الله تعالى : لا يعتمد على ما ذكره ابن الغرس لمخالفته للمذهب فقد نقل الثقات أن النائب لا ينعزل بعزلان الأصيل ولا بموته .

                قال الزيلعي في شرح الكنز من كتاب الوكالة : لا يملك القاضي الاستخلاف إلا بإذن الخليفة ثم لا ينعزل بعزل القاضي الأول ولا بموته وينعزلان بعزل الخليفة لهما ولا ينعزلان بموته ، وهو المعتمد في المذهب . ولم نر خلافا في المسألة والله أعلم .

                ( 243 ) قوله : لكن جعل في المعراج إلخ . قيد هذا منه رد لما قاله ابن الغرس وكيف لا يرد كلامه ؟ وقد قال في أنفع الوسائل نقلا عن البدائع : ولو استخلف القاضي بإذن الإمام ثم مات القاضي لا ينعزل خليفته ; لأنه نائب الإمام في الحقيقة لا [ ص: 390 ] نائب القاضي ولا يملك القاضي عزل الخليفة ; لأنه نائب الإمام ، فلا ينعزل بعزله ، كالوكيل فإنه لا يملك عزل الوكيل الثاني ( انتهى ) .

                يعني بالوكيل الثاني الذي وكله الأول بإذن الموكل ; لأنه صار في الحقيقة وكيلا عن الموكل لا عن الوكيل الأول . وقد عللوا عدم عزل القاضي بموت الخليفة بأن الخليفة نائب عن المسلمين فأنى يتجه قول ابن الغرس أنهم نواب القاضي من كل وجه ، مع صريح كلامهم قاطبة بأنه في الحقيقة نائب عن السلطان حيث أذن له في الاستخلاف . ومع قوله في المعراج كونه كوكيل قاضي القضاة هو مذهب الشافعي وأحمد . وعندنا أنه نائب السلطان . ولا اعتبار بقوله هنا ولا يفهم أحد الآن أنه نائب مع تصريح جهابذة العلماء بأنه إذا كان القاضي مأذونا له في الاستخلاف فهو في الحقيقة نائب عن السلطان اللهم إلا أن يصرح السلطان بعزل النواب بموته أو بعزله بأن يقول : إذا مات أو عزل فهم معزولون بعزله أو بموته . فإن ذلك مما يقبل التعليق ويقبل للتخصيص بالزمان والحوادث والإشخاص ولا يملك نصب القضاة وعزلهم إلا السلطان أو من أذن له السلطان إذ هو صاحب الولاية العظمى فلا يستفادان إلا منه




                الخدمات العلمية