الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب

في إقرار بني آدم بالتوحيد في عالم الذر ، والاجتناب من الإشراك بالله ، والنهي عنه ، وما يليه

قال تعالى في سورة الأعراف : وإذ أخذ ربك من بني آدم [الأعراف : 172] ، وكذا من آدم .

فالأخذ منه لازم للأخذ منهم ؛ لأن الأخذ منهم بعد الأخذ منه ، ففي الآية الشريفة اكتفاء بالملزوم عن اللازم من ظهورهم ذريتهم استدل بهذا على أن المراد بالمأخوذين هنا : هم ذرية بني آدم .

أخرجهم الله من أصلابهم نسلا بعد نسل ، على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء ، فلذلك قال: من ظهورهم ، ولم يقل : من ظهر آدم ؛ لما علم أنهم كلهم بنو آدم .

وقد ذهب إلى هذا جماعة من المفسرين ، وقالوا : معنى وأشهدهم على أنفسهم : دلهم بخلقه على أنه خالقهم ، فقامت هذه الدلالة مقام الإشهاد ، فتكون هذه الآية من باب التمثيل ، وقيل غير ذلك.

والمعنى الراجح الأصح : أن الله لما خلق آدم ، مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذريته ، وأخذ عليهم العهد ، وهؤلاء هم عالم الذر ، وهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ، ولا المصير إلى غيره ؛ لثبوته مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وموقوفا على غير واحد من الصحابة ، ولا ملجئ للمصير إلى المجاز ، وإذا جاء نهر الله ، بطل نهر معقل .

وقد أخرج مالك في «الموطأ » ، وأحمد في «المسند » ، وعبد بن حميد ، [ ص: 378 ] والبخاري في «تاريخه » ، وأبو داود والترمذي وحسنه ، والنسائي وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان في «صحيحه » ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في «الأسماء والصفات » ، والضياء في «المختارة » عن مسلم بن يسار الجهني : أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سئل عن هذه الآية ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها ، فقال : «إن الله خلق آدم ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذريته ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره ، فاستخرج ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون » ، فقال رجل : يا رسول الله ! ففيم العمل ؟ فقال : «إن الله إذا خلق العبد [للجنة] استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار ، فيدخله النار .

ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر .

وذكر الطبري في بعض طرق هذا الحديث يعمر بن ربيعة بن مسلم ، وعمر ، بنحوه .

وفي الحديث دلالة على أن المؤمن الذي يعمل عمل الشرك من أهل النار .

واختلف الناس في كيفية الاستخراج على أقوال لا مستند لها .

والحق وجوب اعتقاد إخراجها من ظهر آدم كما شاء الله تعالى كما ورد في «الصحيح » .

قال العلامة المقبلي في «الأبحاث المسددة » : ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات الواردة في ذلك.

قال بعضهم : الظاهر أنه استخرجهم أحياء ؛ لأنه سماهم : ذرية ، والذرية : هم الأحياء ؛ لقوله : أنا حملنا ذريتهم في الفلك [يس : 41] الآية . [ ص: 379 ]

قال ابن عباس : إن أول ما أهبط الله آدم على الأرض ، أهبطه بدهناء أرض الهند ، فأخرج منه كل نسمة هو بارئها إلى يوم القيامة ، ثم أخذ عليهم الميثاق ، وأشهدهم على أنفسهم أي : أشهد كل واحد منهم ألست بربكم ؛ أي : قائلا هذا ، فهو على إرادة القول .

وفي هذه الآية رد على أهل المعاني في قولهم : إن الإغراق غير مقبول ما لم يقارن «كاد » ، ونحو هذا مما شهد به الذوق السليم ، وزكى شهادته الطبع المستقيم ، والآية ليست من هذا القبيل ؛ لإسنادها لله الذي أبرز المعلومات من أرحام العدم ، ولا يعتصي قدرته شيء في القدم ، فما علينا إلا الإيمان بذلك، وما لم تصل له أفهامنا نكله إليه ، ونسأله أن يهدينا للوقوف عليه .

وكفى هذا الاحتمال في مثل هذه الحال ، وما بعد الحق إلا الضلال .

قالوا بلى شهدنا ؛ أي : على أنفسنا بأنك ربنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية