3261 [ ص: 551 ] كتاب السير
جمع " السيرة"، مثل: " سدرة وسدر" والسيرة: الطريقة، والهيئة. وغلب اسم " السير"، في عرف الفقهاء على " المغازي ".
وهذا الكتاب، فيه أبواب تأتي بشرحها.
باب في الأمراء على الجيوش والسرايا، والوصية لهم بما ينبغي
وقال النووي : ( باب تأمير الإمام: الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو، وغيرها) .
وذكره في المنتقى في (باب الدعوة قبل القتال) .
حديث الباب
وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 37 - 40 جـ 12 المطبعة المصرية
[حدثنا حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. وكيع بن الجراح عن سفيان . ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا . حدثنا يحيى بن آدم سفيان . قال: أملاه علينا إملاء. ح وحدثني (واللفظ له) . حدثني عبد الله بن هاشم حدثنا عبد الرحمن (يعني: ابن مهدي) . سفيان عن علقمة بن مرثد ، عن ، عن سليمان بن بريدة أبيه ؛ قال: ، ولا تغدروا، ولا تمثلوا [ ص: 552 ] ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم . ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار "اغزوا باسم الله، في سبيل الله . قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا المهاجرين . وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين ، وعليهم ما على المهاجرين . فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم: أنهم يكونون كأعراب المسلمين؛ يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين . ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا، فسلهم الجزية . فإن هم أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم. فإن هم أبوا، فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله، وذمة نبيه: فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه. ولكن اجعل لهم ذمتك، وذمة أصحابك. فإنكم؛ أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله . ولكن أنزلهم على حكمك . فإنك لا تدري: أتصيب حكم الله فيهم أم لا" قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا . ثم قال: عبد الرحمن : هذا، أو نحوه. وزاد إسحاق في آخر حديثه عن قال: فذكرت هذا الحديث يحيى بن آدم لمقاتل بن حيان . (قال يحيى : يعني أن علقمة يقوله لابن حيان ) فقال: حدثني مسلم بن هيصم ، عن النعمان بن مقرن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ] .
كتاب السير
- باب في الأمراء على الجيوش والسرايا والوصية لهم بما ينبغي
- باب في أمر البعوث بالتيسير
- باب في البحوث ونيابة الخارج عن القاعد
- باب الحد بين الصغير والكبير فيمن يجاز للقتال ومن لا يجاز
- باب النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
- باب في السفر في الخصب والجدب والتعريس على الطريق
- باب السفر قطعة من العذاب
- باب كراهية الطروق لمن قدم من سفر ليلا
- باب منه
- باب في الدعاء قبل القتال والإغارة على العدو
- باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم
- كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام
- باب في دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله وصبره على أذى المنافقين
- باب النهي عن الغدر
- باب الوفاء بالعهد
- باب ترك تمني لقاء العدو والصبر إذا لقوا
- باب الدعاء على العدو
- باب منه
- باب الحرب خدعة
- باب الاستعانة بالمشركين في الغزو
- باب في خروج النساء مع الغزاة
- باب منه
- باب منه
- باب النهي عن قتل النساء والصبيان في الغزو
- باب ما أصيب من ذراري العدو في البيات
- باب قطع نخيل العدو وتحريقها
- باب أخذ الطعام في أرض العدو
- باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة
- باب في الأنفال
- باب تنفيل السرايا
- باب تخميس الأنفال
- باب إعطاء القاتل سلب المقتول
- باب إعطاء السلب بعض القاتلين بالاجتهاد
- باب منع القاتل السلب بالاجتهاد
- باب في إعطاء جميع السلب للقاتل
- باب في التنفيل ، وفداء المسلمين بالأسارى
- باب السهمان والخمس، فيما افتتح من القرى بقتال
- باب فيما يصرف الفيء ، إذا لم يوجف عليه بقتال
- باب منه
- باب منه
- باب سهمان الفارس والراجل
- باب لا يسهم للنساء من الغنيمة، ويحذين وقتل الولدان في الغزو
- باب في ترك الأسارى والمن عليهم
- باب إجلاء اليهود من المدينة
- باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب
- باب الحكم فيمن حارب ونقض العهد
التالي
السابق
[ ص: 553 ] (الشرح)
(عن بريدة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، إذا أمر أميرا على جيش، أو سرية) هي قطعة من الجيش، تنفصل عنه وتخرج منه، تغير وترجع وتعود إليه.
قال هي " الخيل " تبلغ أربعمائة ونحوها. سميت بها: لأنها تسري في الليل وتخفي ذهابها. وهي فعيلة بمعنى " فاعلة ". يقال: سرى وأسرى: إذا ذهب ليلا. إبراهيم الحربي:
(أوصاه في خاصته بتقوى الله عز وجل، ومن معه من المسلمين خيرا. ثم قال: اغزوا باسم الله، في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا) بضم الغين. أي: لا تخونوا، إذا غنمتم شيئا.
(ولا تغدروا) بكسر الدال وضمها. وهو ضد الوفاء، - (ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا) وهو الصبي.
قال النووي : وفي هذه الكلمات فوائد مجمع عليها، وهي تحريم الغدر، وتحريم الغلول، وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا)، وكراهة المثلة. [ ص: 554 ] تعالى. والرفق بأتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم، وما يجب عليهم، وما يحل لهم وما يحرم عليهم، وما يكره وما يستحب. انتهى. واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه، بتقوى الله
وأقول: النهي حقيقة في التحريم. فلا وجه للحكم على بعض هذه المنهيات بالتحريم، وعلى بعضها بالكراهة.
(وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال " أو خلال ". فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم) .
فيه: دليل على وفي المسألة ثلاثة مذاهب؛ الأول: أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الإسلام، من غير فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه. وبه قال وجوب دعاء الكفار إلى الإسلام، قبل المقاتلة. وغيره. قال في النيل: وظاهر الحديث معهم. مالك
والثاني: أنه لا يجب مطلقا.
والثالث: أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة. ولا يجب إن بلغتهم، لكن يستحب. قال وهو قول جمهور أهل العلم. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه. وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف من الأحاديث. ابن المنذر:
(ثم ادعهم إلى الإسلام) . هكذا هو في جميع النسخ. قال : عياض
[ ص: 555 ] صوابه: " ادعهم " بإسقاط "ثم ". وقد جاء بإسقاطها في كتاب وفي سنن أبي عبيد وغيرهما. لأنه تفسير للخصال الثلاث وليس غيرها. وقال أبي داود، ليست "ثم" هنا زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ. المازري:
(فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين) .
فيه: ترغيب الكفار بعد إجابتهم وإسلامهم، إلى لأن الوقوف بالبادية، ربما كان سببا لعدم معرفة الشريعة، لقلة من فيها من أهل العلم. الهجرة إلى ديار المسلمين.
(وأخبرهم: أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم: أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين) .
قال النووي : معنى هذا الحديث: أنهم إذا أسلموا، استحب لهم أن يهاجروا إلى المدينة. فإن فعلوا ذلك، كانوا كالمهاجرين قبلهم، في استحقاق الفيء والغنيمة وغير ذلك. وإلا، فهم أعراب كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية، من غير هجرة ولا غزو، فتجري [ ص: 556 ] عليهم أحكام الإسلام، ولا حق لهم في الغنيمة والفيء. وإنما يكون لهم نصيب من الزكاة، إن كانوا بصفة استحقاقها.
قال : " الصدقات"، للمساكين ونحوهم، ممن لا حق له في الفيء. " والفيء " للأجناد. قال: ولا يعطى أهل الفيء من الصدقات، ولا أهل الصدقات من الفيء. واحتج بهذا الحديث. الشافعي
وقال مالك، " المالان " سواء. ويجوز صرف كل واحد منهما إلى النوعين. وأبو حنيفة:
وقال هذا الحديث منسوخ. وإنما كان هذا الحكم في أول الإسلام لمن لم يهاجر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: أبو عبيد: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض . وهذا الذي ادعاه لا يسلم له. أبو عبيد:
(فإن هم أبوا، فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك، فاقبل منهم وكف عنهم) . هذا مما يستدل به مالك، وموافقوهما، في جواز أخذ والأوزاعي من كل كافر، عربيا كان أو عجميا. كتابيا كان أو مجوسيا. أو غيرهما. وهذا ظاهر الحديث. الجزية،
وقال تؤخذ من جميع الكفار، إلا مشركي العرب ومجوسهم. أبو حنيفة:
ولفظ النيل: ذهب إلى أن الجزية لا تقبل من العربي غير الكتابي، وتقبل من الكتابي، ومن العجمي. انتهى. أبو حنيفة:
[ ص: 557 ] وقال : لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس، عربا كانوا أو عجما. ويحتج بمفهوم آية الجزية: الشافعي حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون بعد ذكر أهل الكتاب، وبحديث: ويتأول هذا الحديث، على أن المراد بأخذ الجزية: " أهل الكتاب" . لأن اسم " المشرك " يطلق على أهل الكتاب وغيرهم. "سنوا بهم سنة أهل الكتاب ".
وكان تخصيصهم معلوما عند الصحابة. وأما سائر المشركين، فهم داخلون تحت عموم: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .
قال النووي : واختلفوا في فقال قدر الجزية؛ : أقلها دينار على الغني، ودينار على الفقير أيضا، في كل سنة. وأكثرها: ما يقع به التراضي. الشافعي
وقال هي أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهما على أهل الفضة. مالك:
وقال وغيره من أبو حنيفة الكوفيين، على الغني ثمانية وأربعون درهما، والمتوسط أربعة وعشرون، والفقير اثنا عشر. انتهى. وأحمد:
وتمام هذا البحث، في نيل الأوطار، في باب " أخذ الجزية وعقد الذمة " فراجعه.
[ ص: 558 ] قال أهل العلم: والحكمة في وضع الجزية: أن الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الإسلام، مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام. واختلف في السنة التي شرعت فيها؛ فقيل: في سنة ثمان.
وقيل: في سنة تسع. والله أعلم.
(فإن هم أبوا، فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، صلى الله عليه وآله وسلم) .
قال العلماء: الذمة هنا: العهد.
وفي النيل: " الذمة ": وإنما نهى عن ذلك؛ لئلا ينقض الذمة: من لا يعرف حقها. وينتهك حرمتها: بعض من لا تمييز له من الجيش. فيكون ذلك أشد؛ لأن نقض ذمة الله ورسوله: أشد من نقض ذمة أمير الجيش، أو ذمة جميع الجيش، وإن كان نقض الكل محرما. انتهى. عقد الصلح والمهادنة.
[ ص: 559 ] " وتخفروا " بضم التاء. يقال: " أخفرت الرجل ": إذا نقضت عهده. " وخفرته"، أمنته وحميته.
قال النووي : وهذا نهي تنزيه.
(وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدري: أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟) .
قال النووي : هذا النهي أيضا على التنزيه والاحتياط. انتهى. ونحوه في النيل، وزاد: والوجه: ما سلف؛ ولهذا قال صلى الله عليه) وآله وسلم: " فإنك لا تدري إلخ ".
قال النووي : وفيه: حجة لمن يقول: ليس بل المصيب واحد، وهو الموافق لحكم الله تعالى في نفس الأمر. وقد يجيب عنه القائلون بأن كل مجتهد مصيب: بأن المراد: أنك لا تأمن من أن يتنزل علي وحي، بخلاف ما حكمت. وهذا المعنى منتف بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. انتهى. كل مجتهد مصيبا.
وأقول: الخلاف في المسألة، مشهور مبسوط في مواضعه. والحق:
أن كل مجتهد مصيب من الصواب، لا من الإصابة. والله أعلم.
(قال عبد الرحمن - يعني: ابن مهدي- هذا أو نحوه) وذكره مسلم بطرق.
[ ص: 560 ] قال في المنتقى: هذا الحديث، رواه أحمد، ، ومسلم وابن ماجه، وصححه. وهو حجة في أن قبول الجزية، لا يختص بأهل الكتاب. وأن ليس كل مجتهد مصيبا، بل الحق عند الله واحد. وفيه: المنع من قتل الولدان ومن التمثيل. انتهى. والترمذي
(عن بريدة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، إذا أمر أميرا على جيش، أو سرية) هي قطعة من الجيش، تنفصل عنه وتخرج منه، تغير وترجع وتعود إليه.
قال هي " الخيل " تبلغ أربعمائة ونحوها. سميت بها: لأنها تسري في الليل وتخفي ذهابها. وهي فعيلة بمعنى " فاعلة ". يقال: سرى وأسرى: إذا ذهب ليلا. إبراهيم الحربي:
(أوصاه في خاصته بتقوى الله عز وجل، ومن معه من المسلمين خيرا. ثم قال: اغزوا باسم الله، في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا) بضم الغين. أي: لا تخونوا، إذا غنمتم شيئا.
(ولا تغدروا) بكسر الدال وضمها. وهو ضد الوفاء، - (ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا) وهو الصبي.
قال النووي : وفي هذه الكلمات فوائد مجمع عليها، وهي تحريم الغدر، وتحريم الغلول، وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا)، وكراهة المثلة. [ ص: 554 ] تعالى. والرفق بأتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم، وما يجب عليهم، وما يحل لهم وما يحرم عليهم، وما يكره وما يستحب. انتهى. واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه، بتقوى الله
وأقول: النهي حقيقة في التحريم. فلا وجه للحكم على بعض هذه المنهيات بالتحريم، وعلى بعضها بالكراهة.
(وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال " أو خلال ". فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم) .
فيه: دليل على وفي المسألة ثلاثة مذاهب؛ الأول: أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الإسلام، من غير فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه. وبه قال وجوب دعاء الكفار إلى الإسلام، قبل المقاتلة. وغيره. قال في النيل: وظاهر الحديث معهم. مالك
والثاني: أنه لا يجب مطلقا.
والثالث: أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة. ولا يجب إن بلغتهم، لكن يستحب. قال وهو قول جمهور أهل العلم. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه. وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف من الأحاديث. ابن المنذر:
(ثم ادعهم إلى الإسلام) . هكذا هو في جميع النسخ. قال : عياض
[ ص: 555 ] صوابه: " ادعهم " بإسقاط "ثم ". وقد جاء بإسقاطها في كتاب وفي سنن أبي عبيد وغيرهما. لأنه تفسير للخصال الثلاث وليس غيرها. وقال أبي داود، ليست "ثم" هنا زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ. المازري:
(فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين) .
فيه: ترغيب الكفار بعد إجابتهم وإسلامهم، إلى لأن الوقوف بالبادية، ربما كان سببا لعدم معرفة الشريعة، لقلة من فيها من أهل العلم. الهجرة إلى ديار المسلمين.
(وأخبرهم: أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم: أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين) .
قال النووي : معنى هذا الحديث: أنهم إذا أسلموا، استحب لهم أن يهاجروا إلى المدينة. فإن فعلوا ذلك، كانوا كالمهاجرين قبلهم، في استحقاق الفيء والغنيمة وغير ذلك. وإلا، فهم أعراب كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية، من غير هجرة ولا غزو، فتجري [ ص: 556 ] عليهم أحكام الإسلام، ولا حق لهم في الغنيمة والفيء. وإنما يكون لهم نصيب من الزكاة، إن كانوا بصفة استحقاقها.
قال : " الصدقات"، للمساكين ونحوهم، ممن لا حق له في الفيء. " والفيء " للأجناد. قال: ولا يعطى أهل الفيء من الصدقات، ولا أهل الصدقات من الفيء. واحتج بهذا الحديث. الشافعي
وقال مالك، " المالان " سواء. ويجوز صرف كل واحد منهما إلى النوعين. وأبو حنيفة:
وقال هذا الحديث منسوخ. وإنما كان هذا الحكم في أول الإسلام لمن لم يهاجر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: أبو عبيد: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض . وهذا الذي ادعاه لا يسلم له. أبو عبيد:
(فإن هم أبوا، فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك، فاقبل منهم وكف عنهم) . هذا مما يستدل به مالك، وموافقوهما، في جواز أخذ والأوزاعي من كل كافر، عربيا كان أو عجميا. كتابيا كان أو مجوسيا. أو غيرهما. وهذا ظاهر الحديث. الجزية،
وقال تؤخذ من جميع الكفار، إلا مشركي العرب ومجوسهم. أبو حنيفة:
ولفظ النيل: ذهب إلى أن الجزية لا تقبل من العربي غير الكتابي، وتقبل من الكتابي، ومن العجمي. انتهى. أبو حنيفة:
[ ص: 557 ] وقال : لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس، عربا كانوا أو عجما. ويحتج بمفهوم آية الجزية: الشافعي حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون بعد ذكر أهل الكتاب، وبحديث: ويتأول هذا الحديث، على أن المراد بأخذ الجزية: " أهل الكتاب" . لأن اسم " المشرك " يطلق على أهل الكتاب وغيرهم. "سنوا بهم سنة أهل الكتاب ".
وكان تخصيصهم معلوما عند الصحابة. وأما سائر المشركين، فهم داخلون تحت عموم: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .
قال النووي : واختلفوا في فقال قدر الجزية؛ : أقلها دينار على الغني، ودينار على الفقير أيضا، في كل سنة. وأكثرها: ما يقع به التراضي. الشافعي
وقال هي أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهما على أهل الفضة. مالك:
وقال وغيره من أبو حنيفة الكوفيين، على الغني ثمانية وأربعون درهما، والمتوسط أربعة وعشرون، والفقير اثنا عشر. انتهى. وأحمد:
وتمام هذا البحث، في نيل الأوطار، في باب " أخذ الجزية وعقد الذمة " فراجعه.
[ ص: 558 ] قال أهل العلم: والحكمة في وضع الجزية: أن الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الإسلام، مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام. واختلف في السنة التي شرعت فيها؛ فقيل: في سنة ثمان.
وقيل: في سنة تسع. والله أعلم.
(فإن هم أبوا، فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، صلى الله عليه وآله وسلم) .
قال العلماء: الذمة هنا: العهد.
وفي النيل: " الذمة ": وإنما نهى عن ذلك؛ لئلا ينقض الذمة: من لا يعرف حقها. وينتهك حرمتها: بعض من لا تمييز له من الجيش. فيكون ذلك أشد؛ لأن نقض ذمة الله ورسوله: أشد من نقض ذمة أمير الجيش، أو ذمة جميع الجيش، وإن كان نقض الكل محرما. انتهى. عقد الصلح والمهادنة.
[ ص: 559 ] " وتخفروا " بضم التاء. يقال: " أخفرت الرجل ": إذا نقضت عهده. " وخفرته"، أمنته وحميته.
قال النووي : وهذا نهي تنزيه.
(وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدري: أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟) .
قال النووي : هذا النهي أيضا على التنزيه والاحتياط. انتهى. ونحوه في النيل، وزاد: والوجه: ما سلف؛ ولهذا قال صلى الله عليه) وآله وسلم: " فإنك لا تدري إلخ ".
قال النووي : وفيه: حجة لمن يقول: ليس بل المصيب واحد، وهو الموافق لحكم الله تعالى في نفس الأمر. وقد يجيب عنه القائلون بأن كل مجتهد مصيب: بأن المراد: أنك لا تأمن من أن يتنزل علي وحي، بخلاف ما حكمت. وهذا المعنى منتف بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. انتهى. كل مجتهد مصيبا.
وأقول: الخلاف في المسألة، مشهور مبسوط في مواضعه. والحق:
أن كل مجتهد مصيب من الصواب، لا من الإصابة. والله أعلم.
(قال عبد الرحمن - يعني: ابن مهدي- هذا أو نحوه) وذكره مسلم بطرق.
[ ص: 560 ] قال في المنتقى: هذا الحديث، رواه أحمد، ، ومسلم وابن ماجه، وصححه. وهو حجة في أن قبول الجزية، لا يختص بأهل الكتاب. وأن ليس كل مجتهد مصيبا، بل الحق عند الله واحد. وفيه: المنع من قتل الولدان ومن التمثيل. انتهى. والترمذي