الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أجناس مال الدية وأسنان إبلها 3076 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ، ثلاثون بنت مخاض ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وعشرة بني لبون ذكور } . رواه الخمسة إلا الترمذي ) .

                                                                                                                                            3077 - ( وعن الحجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك الطائي عن ابن مسعود قال { : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في دية الخطإ عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون ، وعشرون ابن مخاض ذكرا } . رواه الخمسة وقال ابن ماجه في إسناده عن الحجاج : حدثنا زيد بن جبير قال أبو حاتم الرازي : الحجاج يدلس عن الضعفاء ، فإذا قال : حدثنا فلان فلا يرتاب به ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول سكت عنه أبو داود وقال المنذري : في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام عليه ، ومن دون عمرو بن شعيب ثقات إلا محمد بن راشد المكحولي ، وقد وثقه أحمد وابن معين والنسائي وضعفه ابن حبان وأبو زرعة .

                                                                                                                                            قال الخطابي : هذا الحديث لا أعرف أحدا قال به من الفقهاء .

                                                                                                                                            والحديث الثاني أخرجه أيضا البزار والبيهقي والدارقطني ، وقال : عشرون بني لبون مكان قوله عشرون ابن مخاض . رواه كذلك من طريق أبي عبيدة عن أبيه يعني عبد الله بن مسعود موقوفا ، وقال : هذا إسناد حسن . وضعف الأول من أوجه عديدة ، وتعقبه البيهقي بأن الدارقطني وهم فيه ، والجواد قد يعثر قال : وقد رأيته في جامع سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن عبد الله ، [ ص: 93 ] وعن ابن إسحاق عن علقمة عن عبد الله ، وعن عبد الرحمن بن مهدي عن يزيد بن هارون عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة عن عبد الله ، وعند الجميع : بنو مخاض قال الحافظ : وقد رد ، يعني البيهقي عن نفسه بنفسه فقال : وقد رأيته في كتاب ابن خزيمة وهو إمام من رواية وكيع عن سفيان فقال : بنو لبون كما قال الدارقطني فانتفى أن يكون الدارقطني عثر . وقد تكلم الترمذي على حديث ابن مسعود المذكور فقال : لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه .

                                                                                                                                            وقد روي عن عبد الله موقوفا . وقال أبو بكر البزار : وهذا الحديث لا نعلمه روي عن عبد الله مرفوعا إلا بهذا الإسناد . وذكر الخطابي أن خشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث ، وعدل الشافعي عن القول به لهذه العلة ولأن فيه بني مخاض ولا مدخل لبني المخاض في شيء من أسنان الصدقات . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر بمائة من إبل الصدقة ، وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض وقال الدارقطني : هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث وبسط الكلام في ذلك .

                                                                                                                                            وقال : لا نعلمه رواه إلا خشف بن مالك عن ابن مسعود ، وهو رجل مجهول لم يرو عنه إلا زيد بن جبير ، ثم قال : لا نعلم أحدا رواه عن زيد بن جبير إلا حجاج بن أرطاة وهو رجل مشهور بالتدليس بأنه يحدث عمن لم يلقه ولم يسمع منه ، ثم ذكر أنه قد اختلف فيه على الحجاج بن أرطاة . وقال البيهقي : خشف بن مالك مجهول . وقال الموصلي : خشف بن مالك ليس بذاك وذكر له هذا الحديث ، قال المنذري بعد أن ذكر الخلاف فيه على الحجاج : والحجاج غير محتج به ، وكذا قال البيهقي ، والصحيح أنه موقوف على عبد الله كما سلف

                                                                                                                                            وقد اختلف العلماء في دية الخطإ من الإبل بعد الاتفاق على أنها مائة فذهب الحسن البصري والشعبي والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنها تكون أرباعا : ربعا ، وربعا حقاقا ، وربعا بنات لبون ، وربعا بنات مخاض . وقد قدمنا تفسير هذه الأسنان في كتاب الزكاة . واستدلوا بحديث ذكره الأمير الحسين في الشفاء عن السائب بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { دية الإنسان خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض } . وقد أخرجه أبو داود موقوفا على علي رضي الله عنه من طريق عاصم بن ضمرة قال : " في الخطإ أرباعا " فذكره وأخرجه أيضا أبو داود عن ابن مسعود موقوفا من طريق علقمة والأسود . قالا : قال عبد الله : في الخطإ شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض ، ولم أجد هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب حديث [ ص: 94 ] فلينظر فيما ذكره صاحب الشفاء

                                                                                                                                            وذهب ابن مسعود والزهري وعكرمة والليث والثوري وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار ومالك والحنفية والشافعية إلى أن الدية تكون أخمسا : خمسا جذاعا وخمسا حقاقا وخمسا بنات لبون وخمسا بنات مخاض وخمسا أبناء لبون . وحكى صاحب البحر عن أبي حنيفة أن النوع الخامس يكون أبناء مخاض وهو موافق لحديث الباب عن ابن مسعود مرفوعا ، والأول موافق للموقوف عن ابن مسعود كما ذكرنا . وذهب عثمان بن عفان وزيد بن ثابت إلى أنها تكون ثلاثين جذعة ، وثلاثين حقة ، وعشرين ابن لبون ، وعشرين بنت مخاض . وهذا الخلاف في دية الخطإ المحض ، وأما في دية العمد وشبهه فقد تقدم طرف من الخلاف في ذلك ، وسيأتي الكلام عليه قريبا إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية