الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإن إلياس لمن المرسلين

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن عساكر من طريق جويبر، عن الضحاك عن ابن عباس في قوله : وإن إلياس لمن المرسلين الآيات، قال : إنما سمي بعلبك لعبادتهم البعل، وكان موضعهم البك فسمي بعلبك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : إن الله بعث إلياس إلى بعلبك، وكانوا قوما يعبدون الأصنام، وكانت ملوك بني إسرائيل متفرقة على العامة، كل ملك على ناحية يأكلها، وكان الملك الذي كان إلياس معه يقوم له أمره ويقتدي برأيه، وهو على هدى من بين أصحابه، حتى وقع إليهم قوم من عبدة الأصنام، فقالوا له : ما يدعوك إلا إلى الضلالة والباطل . وجعلوا يقولون له : اعبد هذه الأوثان التي تعبد الملوك، ودع ما أنت عليه . فقال الملك لإلياس : يا إلياس، [ ص: 454 ] والله ما تدعو إلا إلى الباطل إني أرى ملوك بني إسرائيل كلهم قد عبدوا الأوثان التي تفيد الملوك، وهم على ما نحن عليه، يأكلون ويشربون، وهم في ملكهم يتقلبون وما تنقص دنياهم من أمرهم الذي تزعم أنه باطل، وما لنا عليهم من فضل، فاسترجع إلياس وقام شعر رأسه وجلده فخرج عليه إلياس، قال الحسن : وإن الذي زين لذلك الملك امرأته وكانت قبله تحت ملك جبار، وكان من الكنعانيين في طول وجسم وحسن، فمات زوجها فاتخذت تمثالا على صورة بعلها من الذهب، وجعلت له حدقتين من ياقوتتين، وتوجته بتاج مكلل بالدر والجوهر، ثم أقعدته على سرير تدخل عليه فتدخنه وتطيبه وتسجد له، ثم تخرج عنه فتزوجت بعد ذلك هذا الملك الذي كان إلياس معه، وكانت فاجرة قد قهرت زوجها ووضعت البعل في ذلك البيت، وجعلت له سبعين سادنا، فعبدوا البعل فدعاهم إلياس إلى الله، فلم يزدهم ذلك إلا بعدا، فقال إلياس : اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك وعبادة غيرك فغير ما بهم من نعمتك . فأوحى الله إليه : إني قد جعلت أرزاقهم بيدك، فقال : اللهم أمسك عنهم القطر ثلاث سنين . فأمسك الله عنهم القطر، وأرسل إلياس إلى الملك فتاه اليسع فقال : قل له : إن إلياس يقول لك : إنك اخترت عبادة البعل على عبادة الله، واتبعت هوى [ ص: 455 ] امرأتك فاستعد للعذاب والبلاء، فانطلق اليسع فبلغ رسالته للملك، فعصمه الله من شر الملك، وأمسك الله عنهم القطر حتى هلكت الماشية والدواب، وجهد الناس جهدا شديدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وخرج إلياس إلى ذروة جبل فكان الله يأتيه برزقه، وفجر له عينا معينا لشرابه وطهوره حتى أصاب الناس الجهد، فأرسل الملك إلى السبعين، فقال لهم : سلوا البعل أن يفرج ما بنا . فأخرجوا أصنامهم فقربوا لها الذبائح وعطفوا عليها، وجعلوا يدعون حتى طال ذلك بهم، فقال لهم الملك : إن إله إلياس كان أسرع إجابة من هؤلاء . فبعثوا في طلب إلياس فأبى فقال : أتحبون أن يفرج عنكم؟ قالوا : نعم، قال : فأخرجوا أوثانكم . فدعا إلياس ربه أن يفرج عنهم، فارتفعت سحابة مثل الترس، وهم ينظرون ثم أرسل الله عليهم المطر فأغاثهم فتابوا ورجعوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر ، عن ابن مسعود قال : إلياس هو إدريس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة قال : كان يقال إن إلياس هو [ ص: 456 ] إدريس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن كعب قال : أربعة أنبياء اليوم أحياء، اثنان في الدنيا، إلياس والخضر، واثنان في السماء، عيسى وإدريس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن ابن شوذب قال : الخضر من ولد فارس، وإلياس من بني إسرائيل، فيلتقيان كل عام بالموسم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : دعا إلياس ربه أن يريحه من قومه، فقيل له : انظر يوم كذا وكذا، فإذا رأيت دابة لونها مثل لون النار فاركبها، فجعل يتوقع ذلك اليوم فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس، لونه كلون النار حتى وقف بين يديه فوثب عليه فانطلق به، وناداه اليسع يا إلياس بماذا تأمرني؟ فكان آخر العهد به، فكساه الله الريش وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فصار في الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : إلياس موكل بالفيافي، والخضر بالبحار، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى، وإنهما يجتمعان في [ ص: 457 ] كل عام بالموسم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن كعب قال : كان إلياس نبي الله صاحب جبال وبرية، يخلو فيها يعبد ربه عز وجل، وكان ضخم الرأس خميص البطن، دقيق الساقين في صدره شامة حمراء، وإنما رفعه الله إلى أرض الشام، لم يصعد به إلى السماء فأورث اليسع من بعده النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الخضر هو إلياس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في "الدلائل" وضعفه عن أنس قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلا فإذا رجل في الوادي يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفورة المثاب لها . فأشرفت على الوادي، فإذا رجل طوله ثلاثمائة ذراع وأكثر، فقال : من أنت؟ قلت : أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين هو؟ قلت : هو ذا يسمع كلامك . قال : فأته فأقرئه مني السلام وقل له : أخوك إلياس يقرئك السلام، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فجاء حتى عانقه، وقعدا يتحدثان، فقال له : يا رسول الله، إني إنما آكل في كل سنة [ ص: 458 ] يوما، وهذا يوم فطري، فآكل أنا وأنت فنزلت عليهما مائدة من السماء وخبز وحوت وكرفس، فأكلا وأطعماني، وصليا العصر، ثم ودعه، ثم رأيته مر على السحاب نحو السماء . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد . وقال الذهبي : بل هو موضوع، قبح الله من وضعه، قال : وما كنت أحسب ولا أجوز أن الجهل يبلغ بالحاكم إلى أن يصحح هذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : أتدعون بعلا قال : صنما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن مجاهد : أتدعون بعلا . قال : ربا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" عن ابن عباس ، أنه أبصر رجلا يسوق بقرة، فقال : من بعل هذه؟ فدعاه فقال : ممن أنت؟ قال : من أهل اليمن، فقال : هي لغة؛ أتدعون بعلا أي : ربا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد أن ابن عباس، استام بناقة رجل من [ ص: 459 ] حمير، فقال له : أنت صاحبها؟ قال : أنا بعلها فقال ابن عباس : أتدعون بعلا أتدعون ربا، ممن أنت؟ قال : من حمير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : مر رجل يقول : من يعرف البقرة؟ فقال رجل : أنا بعلها . فقال له ابن عباس : أتزعم أنك زوج البقرة؟ قال الرجل : أما سمعت قول الله : أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين قال : أتدعون بعلا وأنا ربكم . فقال له ابن عباس : صدقت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : أتدعون بعلا قال : ربا بلغة أزد شنوءة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله : أتدعون بعلا قال : صنما لهم كانوا يعبدونه في بعلبك، وهي وراء دمشق، فكان بها البعل الذي يعبدونه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله : أتدعون بعلا قال : ربا باليمانية يقول الرجل للرجل : من بعل هذا الثور؟ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قيس بن سعد قال : سأل رجل ابن عباس عن قوله : أتدعون بعلا . فسكت عنه ابن عباس ثم [ ص: 460 ] سأله فسكت عنه، فسمع رجلا ينشد ضالة فسمع آخر يقول : أنا بعلها، فقال ابن عباس : أين السائل؟ اسمع ما يقول القائل، أنا بعلها، أنا ربها؛ أتدعون بعلا أتدعون ربا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله : سلام على إل ياسين قال : هو إلياس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ : (سلام على إدراسين) . وقال : هو مثل إلياس، مثل عيسى والمسيح ومحمد وأحمد، وإسرائيل ويعقوب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : سلام على إل ياسين قال : نحن آل محمد، آل ياسين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية