الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          هي عصاي والياء ياء المتكلم؛ فتحت لوقوعها بعد ألف "عصا "؛ وقرئ بكسرها؛ تخلصا من التقاء الساكنين بالكسر؛ وهو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.

                                                          وخلاصة القول أن الاستفهام توجيه لذهن موسى - عليه السلام - إلى أن ينظر في حقيقتها؛ لكي يدرك من بعد وجه الإعجاز؛ إذا رأى حالها بعد ذلك في الحال التي تتحول إليها.

                                                          وقد أجاب موسى - عليه السلام - إلى المنفعة التي ينتفع بها فيها؛ وذكر أمرين؛ وأمرا ثالثا فيه شتى المنافع؛ الأمر الأول مما ذكره عبر عنه - عليه السلام - بقوله: أتوكأ عليها أي: أعتمد عليها في متابعتي للغنم؛ ومراقبتي لها عندما يحل بنا التعب؛ أو أعتمد عليها في كل الأحوال في مراقبتي لها؛ والأمر الثاني ذكره بقوله: "وأهش بها على غنمي "؛ أي: أخبط على رأسه خبطا خفيفا؛ لأبعده عن مواطن تضره؛ وذلك من "هش الورق "؛ إذا خبطه خبطا يسيرا لينظمه؛ وفي ذلك دلالة على الرفق بهذا الحيوان الضعيف؛ وتوجيهه بأقل ما يكون من توجيه؛ من غير ضرب؛ ولا زجر؛ ولذا كان النبيون يعودون الرفق برعاية الغنم؛ فهذا نبي الله موسى؛ قبل أن يبعثه الله رسولا؛ نزعه من قصور فرعون إلى رعاية الغنم؛ وهو القوي الذي وكز الرجل من آل فرعون فقضى عليه؛ فكان لا بد أن يذوق الفقر ويتعود الرفق في رعي الغنم؛ والأمر [ ص: 4714 ] الثالث الذي أشار إليه؛ هو قوله: ولي فيها مآرب أخرى والمآرب: جمع "مأربة "؛ بضم الراء؛ وكسرها؛ وفتحها؛ وهي الحوائج والمنافع؛ وقال: "أخرى "؛ لأن جمع ما لا يعقل يكون بالمفرد المؤنث؛ كقوله (تعالى): يا جبال أوبي معه ؛ فقد خوطبت الجبال بالمفرد المؤنث؛ وقد روي عن ابن عباس أنه عد هذه المآرب؛ فقال: "إذا انتهيت إلى رأس بئر فقصر الرشا وصلته بالعصا؛ وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض؛ وألقيت عليها ما يظلني؛ وإذا خفت شيئا من هوام الأرض قتلته بها؛ وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي؛ وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة؛ وأقاتل بها السباع عن الغنم ".

                                                          وقد أفاض الرسول في الرد بعض الإفاضة؛ باتجاهه إلى بيان منافعها؛ بدل أن يقول في ماهيتها: عود من شجرة؛ ليستأنس بكلام ربه؛ فهو كلام العلي الأعلى.

                                                          وكانت هذه العصا بعد ذلك أداة ظاهرة للمعجزات؛ فبها ضرب البحر فافترق؛ وكان كل فرق كالطود العظيم؛ وضرب الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية