الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية بيع الغرر

                                                                                                          1230 حدثنا أبو كريب أنبأنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وبيع الحصاة قال وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأنس قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم كرهوا بيع الغرر قال الشافعي ومن بيوع الغرر بيع السمك في الماء وبيع العبد الآبق وبيع الطير في السماء ونحو ذلك من البيوع ومعنى بيع الحصاة أن يقول البائع للمشتري إذا نبذت إليك بالحصاة فقد وجب البيع فيما بيني وبينك وهذا شبيه ببيع المنابذة وكان هذا من بيوع أهل الجاهلية

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          بفتح الغين المعجمة والراء الأولى أي : ما لا يعلم عاقبته من الخطر الذي لا يدرى أيكون أم لا : كبيع الآبق ، والطير في الهواء ، والسمك في الماء ، والغائب المجهول ، ومجمله أن يكون المعقود عليه مجهولا ، أو معجوزا عنه مما انطوى بعينه من غر الثوب أي : طيه ، أو من الغرة بالكسر أي : الغفلة ، أو منه الغرور .

                                                                                                          قوله : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ) قال النووي : النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق والمعدوم والمجهول ، وما لا يقدر على تسليمه ، وما لم يتم ملك البائع عليه ، وبيع السمك في الماء الكثير ، واللبن في الضرع ، وبيع الحمل في البطن ، وبيع بعض الصبرة مبهما ، وبيع ثوب من أثواب ، وشاة من شياه ، ونظائر ذلك ، وكل هذا بيع باطل ؛ لأنه غرر من غير حاجة ، وقد يحتمل بعض الغرر بيعا إذا دعت إليه حاجة ، كالجهل بأساس الدار وكما إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها لبن فإنه يصح البيع ؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار ، ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته . [ ص: 356 ] وكذا القول في حمل الشاة ولبنها ، وكذلك أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير . منها أنهم أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة ، وإن لم ير حشوها ، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز ، وأجمعوا على جواز إجارة الدار والدابة والثوب ونحو ذلك شهرا مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوما ، وقد يكون تسعة وعشرين ، وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء ، وفي قدر مكثهم قال العلماء : مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه ، وهو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر ، ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة ، وكان الغرر حقيرا ، جاز البيع وإلا فلا ، واعلم أن بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع حبل الحبلة وبيع الحصاة وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في النهي عن بيع الغرر ، ولكن أفردت بالذكر ونهي عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة . انتهى كلام النووي . ( وبيع الحصاة ) فيه ثلاث تأويلات : أحدها : أن يقول : بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها ، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه الحصاة ، والثاني : أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة ، والثالث : أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعا فيقول إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا ، قاله النووي . قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأنس ) أما حديث ابن عمر فأخرجه البيهقي ، وابن حبان ، قال الحافظ : إسناده حسن ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه ، وأحمد ، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجه ، وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى ، وفي الباب أيضا عن سهل بن سعد عند الدارقطني والطبراني ، وعن علي عند أحمد وأبي داود ، وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في التلخيص ، والعيني في شرح البخاري . قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة إلا البخاري . قوله : ( قال الشافعي : ومن بيع الغرر بيع السمك في الماء ) قال العراقي : وهو فيما إذا كان السمك في ماء كثير بحيث لا يمكن تحصيله منه ، وكذا إذا كان يمكن تحصيله منه ، ولكن بمشقة شديدة ، وأما إذا كان في ماء يسير بحيث يمكن تحصيله منه وكذا إذا كان يمكن تحصيله منه بغير مشقة فإنه يصح ؛ لأنه مقدور على تحصيله وتسليمه ، وهذا كله إذا كان مرئيا في الماء القليل ، بأن يكون الماء صافيا ، فأما إذا لم يكن مرئيا بأن يكون كدرا فإنه لا يصح بلا خلاف . انتهى كلام العراقي . قوله : ( ومعنى [ ص: 357 ] بيع الحصاة أن يقول البائع للمشتري : إذا نبذت إلخ ) وقع هذا التفسير في رواية البزار ، قال الحافظ في التلخيص : وللبزار من طريق حفص بن عاصم عنه يعني : عن أبي هريرة نهى عن بيع الحصاة يعني : إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع . انتهى . ( وهو ) أي : بيع الحصاة ( يشبه ) من الإشباه أي : يشابه ( بيع المنابذة ) هو أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ، ولا تراض ، ويأتي باقي الكلام في بيع المنابذة في بابه .




                                                                                                          الخدمات العلمية