الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خلج ]

                                                          خلج : الخلج : الجذب . خلجه يخلجه خلجا ، وتخلجه ، واختلجه إذا جبذه وانتزعه ; أنشد أبو حنيفة :


                                                          إذا اختلجتها منجيات ، كأنها صدور عراق ، ما بهن قطوع



                                                          شبه أصابعه في طولها وقلة لحمها بصدور عراقي الدلو ; قال العجاج :


                                                          فإن يكن هذا الزمان خلجا     فقد لبسنا عيشه المخرفجا



                                                          يعني قد خلج حالا ، وانتزعها وبدلها بغيرها ; وقال في التهذيب :


                                                          فإن يكن هذا الزمان خلجا



                                                          أي : نحى شيئا عن شيء . وفي الحديث : يختلجونه على باب الجنة أي : يجتذبونه ; ومنه حديث عمار وأم سلمة : فاختلجها من جحرها . وفي حديث علي في ذكر الحياة : إن الله جعل الموت خالجا لأشطانها أي : مسرعا في أخذ حبالها . وفي الحديث : تنكب المخالج عن وضح السبيل ; أي : الطرق المتشعبة عن الطريق الأعظم الواضح . وفي حديث المغيرة : حتى تروه يخلج في قومه أو يحلج ; أي : يسرع في حبهم . وأخلج هو : انجذب . وناقة خلوج : جذب عنها ولدها بذبح أو موت فحنت إليه وقل لذلك لبنها ، وقد يكون في غير الناقة ; أنشد ثعلب :


                                                          يوما ترى مرضعة خلوجا



                                                          أراد كل مرضعة ; ألا تراه قال بعد هذا :


                                                          وكل أنثى حملت خدوجا     وكل صاح ثملا مروجا ؟



                                                          وإنما يذهب في ذلك إلى قوله تعالى : يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى . وقيل : هي التي تخلج السير من سرعتها أي : تجذبه ، والجمع خلج وخلاج ; قال أبو ذؤيب :


                                                          أمنك البرق أرقبه فهاجا     فبت إخاله دهما خلاجا ؟



                                                          أمنك أي : من شقك وناحيتك . دهما : إبلا سودا . شبه صوت الرعد بأصوات هذه الخلاج ؛ لأنها تحان لفقد أولادها . ويقال للمفقود من بين القوم والميت : قد اختلج من بينهم فذهب به . وفي الحديث : ليردن علي الحوض أقوام ثم ليختلجن دوني ; أي : يجتذبون ويقتطعون . وفي الحديث : فحنت الخشبة حنين الناقة الخلوج ; هي التي اختلج ولدها أي انتزع منها . والإخليجة : الناقة المختلجة عن أمها ; قال ابن سيده : هذه عبارة سيبويه ، وحكى السيرافي أنها الناقة المختلج عنها ولدها ، وحكي عن ثعلب أنها المرأة المختلجة عن زوجها بموت أو طلاق ، وحكي عن أبي مالك أنه نبت ; قال : وهذا لا يطابق مذهب سيبويه ؛ لأنه على هذا اسم وإنما وضعه سيبويه صفة ; ومنه سمي خليج النهر خليجا . والخليج من البحر : شرم منه . ابن سيده . والخليج ما انقطع من معظم الماء ؛ لأنه يجبذ منه ، وقد اختلج ; وقيل : الخليج شعبة تنشعب من الوادي تعبر بعض مائه إلى مكان آخر ، والجمع خلج وخلجان . وخليجا النهر : جناحاه . وخليج البحر : رجل يختلج منه ، قال : هذا قول كراع . التهذيب : والخليج نهر في شق من النهر الأعظم . وجناحا النهر : خليجاه ; وأنشد :

                                                          [ ص: 122 ]

                                                          إلى فتى قاض أكف الفتيان     فيض الخليج مده خليجان



                                                          وفي الحديث : أن فلانا ساق خليجا ; الخليج : نهر يقتطع من النهر الأعظم إلى موضع ينتفع به فيه . ابن الأعرابي : الخلج التعبون . والخلج : المرتعدو الأبدان . والخلج : الحبال . ابن سيده : والخليج الحبل ؛ لأنه يجبذ ما شد به . والخليج : الرسن لذلك ; التهذيب : قال الباهلي في قول تميم بن مقبل :


                                                          فبات يسامي بعدما شج رأسه     فحولا جمعناها تشب وتضرح
                                                          وبات يغنى في الخليج كأنه     كميت مدمى ، ناصع اللون أقرح



                                                          قال : يعني وتدا ربط به فرس . يقول : يقاسي هذه الفحول أي : قد شدت به ، وهي تنزو وترمح . وقوله : يغنى أي : تصهل عنده الخيل . والخليج : حبل خلج أي : فتل شزرا أي : فتل على العسراء ; يعني مقود الفرس . كميت : من نعت الوتد أي : أحمر من طرفاء . قال : وقرحته موضع القطع ; يعني بياضه ; وقيل : قرحته ما تمج عليه من الدم والزبد . ويقال للوتد خليج ؛ لأنه يجذب الدابة إذا ربطت إليه . وقال ابن بري في البيتين : يصف فرسا ربط بحبل وشد بوتد في الأرض فجعل صهيل الفرس غناء له ، وجعله كميتا أقرح لما علاه من الزبد والدم عند جذبه الحبل . ورواه الأصمعي : وبات يغنى أي : وبات الوتد المربوط به الخيل يغنى بصهيلها أي : بات الوتد والخيل تصهل حوله ، ثم قال : أي : كأن الوتد فرس كميت أقرح أي : صار عليه زبد ودم ; فبالزبد صار أقرح ، وبالدم صار كميتا . وقوله : يسامي أي : يجذب الأرسان . والشباب في الفرس : أن يقوم على رجليه . وقوله : تضرح أي : ترمح بأرجلها . ابن سيده : وخلجت الأم ولدها تخلجه ، وجذبته تجذبه : فطمته ; عن اللحياني ، ولم يخص من أي نوع ذلك . وخلجتها : فطمت ولدها ; قال أعرابي : لا تخلج الفصيل عن أمه ، فإن الذئب عالم بمكان الفصيل اليتيم ; أي : لا تفرق بينه وبين أمه . وتخلج المجنون في مشيته : تجاذب يمينا وشمالا . والمجنون يتخلج في مشيته أي : يتمايل كأنما يجتذب مرة يمنة ومرة يسرة . وتخلج المفلوج في مشيته أي : تفكك وتمايل ; ومنه قول الشاعر :


                                                          أقبلت تنفض الحلاء بعيني     ها ، وتمشي تخلج المجنون



                                                          والتخلج في المشي : مثل التخلع ; قال جرير :


                                                          وأشفي من تخلج كل جن     وأكوي الناظرين من الخنان



                                                          وفي حديث الحسن : رأى رجلا يمشي مشية أنكرها ، فقال : يخلج في مشيته خلجان المجنون ; أي : يجتذب مرة يمنة ومرة يسرة . والخلجان بالتحريك : مصدر كالنزوان . والخالج : الموت ؛ لأنه يخلج الخليقة أي : يجذبها . واختلجت المنية القوم أي اجتذبتهم . وخلج الفحل : أخرج عن الشول قبل أن يقدر . الليث : الفحل إذا أخرج من الشول قبل قدوره فقد خلج أي : نزع وأخرج ، وإن أخرج بعد قدوره فقد عدل فانعدل ; وأنشد :


                                                          فحل هجان تولى غير مخلوج



                                                          وخلج الشيء من يده يخلجه خلجا : انتزعه . واختلج الرجل رمحه من مركزه : انتزعه . وخلجه هم يخلجه : شغله ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          وأبيت تخلجني الهموم كأنني     دلو السقاة ، تمد بالأشطان



                                                          واختلج في صدري هم . الليث : يقال خلجته الخوالج أي : شغلته الشواغل ; وأنشد :


                                                          وتخلج الأشكال دون الأشكال



                                                          وخلجني كذا أي : شغلني . يقال : خلجته أمور الدنيا وتخالجته الهموم : نازعته . وخالج الرجل : نازعه . ويقال : تخالجته الهموم إذا كان له هم في ناحية وهم في ناحية كأنه يجذبه إليه . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه صلاة جهر فيها بالقراءة ، وقرأ قارئ خلفه فجهر ؛ فلما سلم قال : لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها ; قال : معنى قوله خالجنيها أي : نازعني القراءة فجهر فيما جهرت فيه ، فنزع ذلك من لساني ما كنت أقرؤه ولم أستمر عليه . وأصل الخلج : الجذب والنزع . واختلج الشيء في صدري وتخالج : احتكأ مع شك . وفي حديث عدي قال له - عليه السلام : لا يختلجن في صدرك أي : لا يتحرك فيه شيء من الريبة والشك ، ويروى بالحاء ، وهو مذكور في موضعه . وأصل الاختلاج : الحركة والاضطراب ; ومنه حديث عائشة - رضي الله عنها - وقد سئلت عن لحم الصيد للمحرم ، فقالت : إن يخلج في نفسك شيء فدعه . وفي الحديث : ما اختلج عرق إلا ويكفر الله به . وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما : أن الحكم بن أبي العاصي أبا مروان كان يجلس خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا تكلم اختلج بوجهه فرآه ، فقال : كن كذلك ، فلم يزل يختلج حتى مات ; أي : كان يحرك شفتيه وذقنه استهزاء وحكاية لفعل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبقي يرتعد إلى أن مات ; وفي رواية : فضرب بهم شهرين ثم أفاق خليجا أي : صرع ; قال ابن الأثير : ثم أفاق مختلجا قد أخذ لحمه وقوته ، وقيل مرتعشا . ونوى خلوج بينه الخلاج ، مشكوك فيها ; قال جرير :


                                                          هذا هوى شغف الفؤاد مبرح     ونوى تقاذف غير ذات خلاج



                                                          وقال شمر : إني لبين خالجين في ذلك الأمر أي : نفسين . وما يخالجني في ذلك الأمر شك أي : ما أشك فيه . وخلجه بعينه وحاجبه يخلجه ويخلجه خلجا : غمزه ; وقال حبينة بن طريف العكلي ينسب بليلى الأخيلية :

                                                          [ ص: 123 ]

                                                          جارية من شعب ذي رعين     حياكة تمشي بعلطتين
                                                          قد خلجت بحاجب وعين     يا قوم ، خلوا بينها وبيني
                                                          أشد ما خلي بين اثنين



                                                          والعلطة : القلادة . والعين تختلج أي : تضطرب ، وكذلك سائر الأعضاء . الليث : يقال أخلج الرجل حاجبيه عن عينيه واختلج حاجباه إذا تحركا ; وأنشد :


                                                          يكلمني ويخلج حاجبيه     لأحسب عنده علما قديما



                                                          وفي حديث شريح : أن نسوة شهدن عنده على صبي وقع حيا يتخلج أي : يتحرك ، فقال : إن الحي يرث الميت ، أتشهدن بالاستهلال ؟ فأبطل شهادتهن . شمر : التخلج التحرك ; يقال : تخلج الشيء تخلجا واختلج اختلاجا إذا اضطرب وتحرك ; ومنه يقال : اختلجت عينه وخلجت تخلج خلوجا وخلجانا ، وخلجت الشيء : حركته ; وقال الجعدي :


                                                          وفي ابن خريق ، يوم يدعو نساءكم     حواسر ، يخلجن الجمال المذاكيا



                                                          قال أبو عمرو : يخلجن يحركن ; وقال أبو عدنان : أنشدني حماد بن عماد بن سعد :


                                                          يا رب مهر حسن وقاح     مخلج من لبن اللقاح



                                                          قال : المخلج الذي قد سمن ، فلحمه يتخلج تخلج العين أي : يضطرب . وخلجت عينه تخلج وتخلج خلوجا واختلجت إذا طارت . والخلج والخلج : داء يصيب البهائم تختلج منه أعضاؤها . وخلج الرجل رمحه يخلجه ويخلجه ، واختلجه : مده من جانب . قال الليث : إذا مد الطاعن رمحه عن جانب ، قيل : خلجه . قال : والخلج كالانتزاع . والمخلوجة : الطعنة ذات اليمين وذات الشمال . وقد خلجه إذا طعنه . ابن سيده : المخلوجة الطعنة التي تذهب يمنة ويسرة . وأمرهم مخلوج : غير مستقيم . ووقعوا في مخلوجة من أمرهم أي اختلاط ; عن ابن الأعرابي . ابن السكيت : يقال في الأمثال : الرأي مخلوجة وليست بسلكى ; قال : قوله : مخلوجة أي : تصرف مرة كذا ومرة كذا حتى يصح صوابه ، قال : والسلكى المستقيمة ; وقال في معنى قول امرئ القيس :


                                                          نطعنهم سلكى ومخلوجة     كرك لأمين على نابل



                                                          يقول : يذهب الطعن فيهم ويرجع كما ترد سهمين على رام رمى بهما . قال : والسلكى الطعنة المستقيمة ، والمخلوجة على اليمين وعلى اليسار . والمخلوجة : الرأي المصيب ; قال الحطيئة :


                                                          وكنت ، إذا دارت رحى الحرب رعته     بمخلوجة ، فيها عن العجز مصرف



                                                          والخلج : ضرب من النكاح ، وهو إخراجه ، والدعس إدخاله . وخلج المرأة يخلجها خلجا : نكحها ; قال :


                                                          خلجت لها جار استها خلجات



                                                          واختلجها : كخلجها . والخلج ، بالتحريك : أن يشتكي الرجل لحمه وعظامه من عمل يعمله أو طول مشي وتعب ; تقول منه : خلج ، بالكسر ; قال الليث : إنما يكون الخلج من تقبض العصب في العضد حتى يعالج بعد ذلك فيستطلق ، وإنما قيل له : خلج ؛ لأن جذبه يخلج عضده . ابن سيده : وخلج البعير خلجا ، وهو أخلج ، وذلك أن يتقبض العصب في العضد حتى يعالج بعد ذلك فيستطلق . وبيننا وبينهم خلجة : وهو قدر ما يمشي حتى يعيي مرة واحدة . التهذيب : والخلج ما اعوج من البيت . والخلج : الفساد في ناحية البيت . وبيت خليج : معوج . والخلوج من السحاب : المتفرق كأنه خلج من معظم السحاب ، هذلية . وسحابة خلوج : كثيرة الماء شديدة البرق . وناقة خلوج : غزيرة اللبن ، من هذا ، والجمع خلج . التهذيب : وناقة خلوج كثيرة اللبن ، تحن إلى ولدها ; ويقال : هي التي تخلج السير من سرعتها . والخلوج من النوق التي اختلج عنها ولدها فقل لذلك لبنها . وقد خلجتها أي : فطمت ولدها . والخليج : الجفنة ، والجمع خلج ; قال لبيد :


                                                          ويكللون ، إذا الرياح ، تناوحت     خلجا تمد شوارعا أيتامها



                                                          وجفنة خلوج : قعيرة كثيرة الأخذ من الماء . والخلج : سفن صغار دون العدولي . أبو عمرو : الخلاج العشق الذي ليس بمحكم . الليث : المختلج من الوجوه القليل اللحم الضامر . ابن سيده : المختلج الضامر ; قال المخبل :


                                                          وتريك وجها كالصحيفة لا     ظمآن مختلج ، ولا جهم



                                                          وفرس إخليج : جواد سريع ; التهذيب : وقول ابن مقبل :


                                                          وأخلج نهاما ، إذا الخيل أوعنت     جرى بسلاح الكهل ، والكهل أجرد



                                                          قال : الأخلج الطويل من الخيل الذي يخلج الشد خلجا أي : يجذبه ، كما قال طرفة :


                                                          خلج الشد مشيحات الحزم



                                                          والخلاج والخلاس : ضروب من البرود مخططة ; قال ابن أحمر :


                                                          إذا انفرجت عنه سمادير خلفه     ببردين من ذاك الخلاج المسهم



                                                          ويروى من ذاك الخلاس . والخليج : قبيلة ينسبون في قريش ، وهم قوم من العرب كانوا من عدوان ، فألحقهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالحارث بن مالك بن النضر بن كنانة ، وسموا بذلك ؛ لأنهم اختلجوا من عدوان . التهذيب : وقوم خلج إذا شك في أنسابهم فتنازع النسب قوم ، وتنازعه آخرون ; ومنه قول الكميت :


                                                          أم أنتم خلج أبناء عهار



                                                          ورجل مختلج : وهو الذي نقل عن قومه ونسبه فيهم إلى قوم آخرين ؛ فاختلف في نسبه وتنوزع فيه . قال أبو مجلز : إذا كان الرجل مختلجا فسرك أن لا تكذب فانسبه إلى أمه ; وقال غيره : هم الخلج الذين انتقلوا بنسبهم إلى غيرهم . ويقال : رجل مختلج إذا نوزع في [ ص: 124 ] نسبه كأنه جذب منهم وانتزع . وقوله : فانسبه إلى أمه أي : إلى رهطها لا إليها نفسها . وخليج الأعيوي : شاعر ينسب إلى بني أعي حي من جرم . وخليج بن منازل بن فرعان : أحد العققة ، يقول فيه أبوه منازل :


                                                          تظلمني حقي خليج وعقني     على حين كانت ، كالحني عظامي



                                                          وقول الطرماح يصف كلابا :


                                                          موعبات لأخلج الشدق سلعا     م ، ممر مفتولة عضده



                                                          كلب أخلج الشدق : واسعه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية