الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إنا سخرنا الجبال معه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد عن قتادة : إنا سخرنا الجبال معه يسبحن . قال : يسبحن معه إذا سبح، بالعشي والإشراق قال : إذا أشرقت الشمس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : بالعشي والإشراق قال : إذا أشرقت الشمس وجبت الصلاة . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول :

                                                                                                                                                                                                                                      لم ينم ليلة التمام لكي يصبح حتى أضاءه الإشراق



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن عطاء الخراساني أن ابن عباس قال : لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى قرأت هذه الآية : سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كان ابن عباس لا يصلي الضحى، وكان يقول : أين هي في القرآن؟ حتى قال بعد : هي في قول الله : يسبحن بالعشي والإشراق هي الإشراق . فصلاها ابن عباس بعد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : لقد أتى علي زمان وما أدري ما وجه هذه الآية : يسبحن بالعشي والإشراق حتى رأيت الناس يصلون الضحى .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 516 ] وأخرج الطبراني في "الأوسط"، وابن مردويه عن ابن عباس قال : كنت أمر بهذه الآية : يسبحن بالعشي والإشراق . فما أدري ما هي حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فدعا بوضوء فتوضأ، ثم صلى الضحى، ثم قال : يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه بلغه أن أم هانئ بنت أبي طالب ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم فتح مكة صلاة الضحى ثمان ركعات فقال ابن عباس : قد ظنت أن لهذه الساعة صلاة لقول الله تعالى : يسبحن بالعشي والإشراق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الحارث قال : دخلت على أم هانئ فحدثتني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى فخرجت فلقيت ابن عباس فقلت : انطلق إلى أم هانئ فدخلنا عليها فقلت : حدثي ابن عمك عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الضحى . فحدثته، فقال : تأول هذه الآية صلاة الإشراق، وهي صلاة الضحى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه من طريق مجاهد عن سعيد عن أم هانئ بنت أبي [ ص: 517 ] طالب قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقد علاه الغبار، فأمر بقصعة، فكأني أنظر إلى أثر العجين، فسكبت فيها فأمر بثوب فيما بيني وبينه فنشر، فقام فأفاض عليه الماء، ثم قام فصلى الضحى ثمان ركعات . قال مجاهد : فحدثت ابن عباس بهذا الحديث فقال : هي صلاة الإشراق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الحارث قال : سألت عن صلاة الضحى في إمارة عثمان بن عفان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فلم أجد أحدا أثبت لي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أم هانئ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاها مرة واحدة ثمان ركعات يوم الفتح في ثوب واحد، مخالفا بين طرفيه لم أره صلاها قبلها ولا بعدها، فذكرت ذلك لابن عباس فقال : إني كنت لأمر على هذه الآية : يسبحن بالعشي والإشراق فأقول : أي صلاة صلاة الإشراق؟ فهذه صلاة الإشراق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، والحاكم عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس، كان لا يصلي الضحى حتى أدخلناه على أم هانئ فقلنا لها : أخبري ابن عباس بما أخبرتيناه، فقالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فصلى صلاة الضحى ثمان ركعات، فخرج ابن عباس وهو يقول : لقد قرأت ما بين اللوحين فما عرفت صلاة الإشراق إلا الساعة؛ يسبحن بالعشي والإشراق .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 518 ] وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال : طلبت صلاة الضحى في القرآن فوجدتها ههنا : بالعشي والإشراق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في "تاريخه" والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والطبراني في "الأوسط" عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب . قال : وهي صلاة الأوابين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أصلي الضحى؛ فإنها صلاة الأوابين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأصبهاني في "الترغيب" عن أنس قال : أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أنس صل صلاة الضحى؛ فإنها صلاة الأوابين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والطبراني عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أهل قباء وهم يصلون الضحى، وفي لفظ : وهم يصلون بعد طلوع الشمس، فقال : صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحافظ على [ ص: 519 ] سبحة الضحى إلا أواب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي ، وابن ماجه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى له الله في الجنة قصرا من ذهب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صل صلاة الضحى؛ فإنها صلاة الأوابين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج حميد بن زنجويه في "فضائل الأعمال" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن الحسن بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى الفجر، ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى من الضحى ركعتين حرمه الله على النار أن تلفحه أو تطعمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج حميد بن زنجويه والطبراني والبيهقي عن عتبة بن عبد السلمي وأبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من صلى الصبح في مسجد جماعة، ثم ثبت فيه حتى يسبح تسبيحة الضحى كان له كأجر حاج أو [ ص: 520 ] معتمر تام له حجته وعمرته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود والطبراني والبيهقي عن معاذ بن أنس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعا كتب من العابدين، ومن صلى ستا كفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانيا كتب من القانتين، ومن صلى ثنتي عشرة بنى الله له بيتا في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج حميد بن زنجويه والبزار ، والبيهقي عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين، وإن صليتها أربعا كتبت من المحسنين وإن صليتها ستا كتبت من القانتين، وإن صليتها ثمانيا كتبت من الفائزين، وإن صليتها عشرا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب وإن صليتها ثنتي عشرة بنى الله لك بيتا في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 521 ] وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي ، وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حافظ على سبحة الضحى غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية