الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : المجوس والصابئون والسامرة أهل كتاب فخالفنا بعض الناس فقال : أما الصابئون والسامرة فقد علمت أنهما صنفان من اليهود والنصارى وأما المجوس فلا أعلم أنهم أهل كتاب وفي الحديث ما يدل على أنهم غير أهل كتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } وأن المسلمين لا ينكحون نساءهم ولا يأكلون ذبائحهم فإن زعم أنهم إذا أبيح أن تؤخذ منهم الجزية فكل مشرك عابد وثن أو غيره فحرام إذا أعطى الجزية أن لا تقبل منه وحالهم حال أهل الكتاب في أن تؤخذ منهم الجزية وتحقن دماؤهم بها إلا العرب خاصة فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وقال لي بعض من يذهب هذا المذهب ما حجتك في أن حكمت في المجوس حكم أهل الكتاب ولم تحكم بذلك في غير المجوس ؟ فقلت الحجة أن سفيان أخبرنا عن أبي سعيد عن نصر بن عاصم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأل عن المجوس فقال : " كانوا أهل كتاب " فما قوله " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " قلت كلام عربي والكتابان المعروفان التوراة والإنجيل ولله كتب سواهما قال وما دل على ما قلت ؟ قلت قال الله عز وجل { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى } فالتوراة كتاب موسى والإنجيل كتاب عيسى والصحف كتاب إبراهيم ما لم تعرفه العامة من العرب حتى [ ص: 255 ] أنزل الله وقال عز وجل { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال فما معنى قوله { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } قلنا في أن تؤخذ منهم الجزية قال فما دل على أنه كلام خاص قلنا لو كان عاما أكلنا ذبائحهم ونكحنا نساءهم .

( قال الشافعي ) فقال ففي المشركين الذين تؤخذ منهم الجزية حكم واحد أو حكمان ؟ قيل بل حكمان قال وهل يشبه هذا شيء ؟ قلنا نعم حكم الله جل ثناؤه فيمن قتل من أهل الكتاب وغيرهم قال فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا نساؤه قياسا على المجوس قلنا فأين ذهبت عن قول الله عز وجل { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } إلى { فخلوا سبيلهم } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقول الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية } وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } قلنا فإذ زعمت ذلك دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون الجزية وإن لم يكونوا أهل كتاب قال فإن قلت لا يصلح أن تعطي العرب الجزية قلنا أو ليسوا داخلين في اسم الشرك ؟ قال بلى ولكن لم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم جزية قلنا أفعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ جزية من غير كتابي أو مجوسي ؟ قال لا قلنا فكيف جعلت غير الكتابيين من المشركين قياسا على المجوس ؟ أرأيت لو قال لك قائل بل آخذها من العرب دون غيرهم ممن ليس من أهل الكتاب ما تقول له ؟ قال أفتزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من عربي ؟ قلنا نعم وأهل الإسلام يأخذوها حتى الساعة من العرب قد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني في غزوة تبوك وصالح أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم . وصالح عمر رضي الله تعالى عنه نصارى بني تغلب وبني نمير إذ كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب وهم تؤخذ منهم الجزية إلى اليوم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو جاز أن يزعم أن إحدى الآيتين والحديثين ناسخ للآخر جاز أن يقال الأمر بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب في القرآن ومن المجوس في السنة منسوخ بأمر الله عز وجل أن نقاتل المشركين حتى يسلموا وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } ولكن لا يجوز أن يقال واحد منهما ناسخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمضيان جميعا على وجوههما ما كان إلى إمضائهما سبيل بما وصفنا وذلك إمضاء حكم الله عز وجل وحكم رسوله معا وقولك خارج من ذلك في بعض الأمور دون بعض قال فقال لي أفعلي أي شيء الجزية ؟ قلنا على الأديان لا على الأنساب ولوددنا أن الذي قلت على ما قلت إلا أن يكون لله سخط وما رأينا الله عز وجل فرق بين عربي ولا عجمي في شرك ولا إيمان ولا المسلمون أنا لنقتل كلا بالشرك ونحقن دم كل بالإسلام ونحكم على كل بالحدود فيما أصابوا وغيرها

التالي السابق


الخدمات العلمية