الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3260 باب في الدعاء قبل القتال، والإغارة على العدو

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام، من غير تقدم إعلام بالإغارة) .

                                                                                                                              [ ص: 574 ] حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 35 - 36 جـ 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، حدثنا سليم بن أخضر ، عن ابن عون ؛ قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال ؟ قال: فكتب إلي: إنما كان ذلك في أول الإسلام. قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم . وأصاب يومئذ (قال يحيى : أحسبه قال) جويرية (أو قال البتة) ابنة الحارث. وحدثني هذا الحديث: عبد الله بن عمر . وكان في ذاك الجيش ] .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عون، قال: كتبت إلى نافع، أسأله عن الدعاء قبل القتال ؟ قال: فكتب إلي: إنما كان ذلك في أول الإسلام. قد أغار رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم على بني المصطلق، وهم غارون) بالغين المعجمة وتشديد الراء. أي: غافلون.

                                                                                                                              (وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم. وأصاب يومئذ - قال يحيى: أحسبه قال - جويرية. - أو قال البتة - ابنة الحارث) .

                                                                                                                              [ ص: 575 ] قال: (وحدثني هذا الحديث: عبد الله بن عمرو) رضي الله عنهما؛ (وكان في ذلك الجيش) .

                                                                                                                              وقال في الرواية الأخرى: " جويرية بنت الحارث"، ولم يشك.

                                                                                                                              وقوله: " البتة ". معناه: أن يحيى بن يحيى قال: أصاب يومئذ " بنت الحارث"، وأظن شيخي سليم بن أخضر، سماها في روايته: " جويرية ". أو أعلم ذلك وأجزم به، وأقوله البتة. وحاصله: أنها " جويرية " فيما أحفظه، إما ظنا، وإما علما.

                                                                                                                              وفي الرواية الثانية: " جويرية بنت الحارث " بلا شك.

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا الحديث: جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة، من غير إنذار بالإغارة. وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب، حكاها المازري والقاضي؛

                                                                                                                              أحدها: يجب الإنذار مطلقا. قال مالك وغيره: وهذا ضعيف.

                                                                                                                              والثاني: لا يجب مطلقا. وهذا أضعف منه، أو باطل.

                                                                                                                              [ ص: 576 ] والثالث: يجب إن لم تبلغهم الدعوة. ولا يجب إن بلغتهم، لكن يستحب. وهذا هو الصواب. وبه قال نافع مولى ابن عمر، والحسن البصري، والثوري، والليث، و الشافعي ، وأبو ثور، وابن المنذر، والجمهور. قال ابن المنذر: وهو قول أكثر أهل العلم. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه؛ فمنها: هذا الحديث. وحديث قتل كعب بن الأشرف. وحديث قتل أبي الحقيق.

                                                                                                                              وفي هذا الحديث: جواز استرقاق العرب؛ لأن "بني المصطلق " عرب من خزاعة. وهذا قول الشافعي في الجديد. وهو الصحيح. وبه قال مالك، وجمهور أصحابه، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وجمهور العلماء.

                                                                                                                              وقال جماعة من العلماء: لا يسترقون. وهذا قول الشافعي في القديم. انتهى.

                                                                                                                              وقد عقد صاحب المنتقى " بابا "، في جواز استرقاق العرب. وأورد فيه أحاديث، وذكر شارحه مذاهب العلماء في ذلك مع أدلتهم. ثم حكى عن المنار: استدلاله على ما ذهب إليه الجمهور. وقال: وقد استفتحت الصحابة أرض الشام وهم عرب. وكذلك أطراف بلاد العرب المتصلة بالعجم. ولم يفتشوا العربي من العجمي، والكتابي [ ص: 577 ] من الذمي، بل سووا بينهم. ولم يرو عن أحد خلاف في ذلك. ثم ذكر قول أحمد.

                                                                                                                              والحاصل: أنه قد ثبت في جنس أسارى الكفار: جواز القتل، والمن، والفداء، والاسترقاق. فمن ادعى: أن بعض هذه الأمور تختص ببعض الكفار دون بعض، لم يقبل منه ذلك، إلا بدليل ناهض يخصص العمومات. والمجوز قائم في مقام المنع. وقول علي وفعله، عند بعض المانعين من استرقاق ذكور العرب، حجة. وقد استرق بني ناجية، ذكورهم وإناثهم، وباعهم، كما هو مشهور في كتب السير والتواريخ. وبنو ناجية من قريش. فكيف ساغت لهم مخالفته ؟ انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية