الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب

                                                                                                                                                                                                "الطاغوت" فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت، إلا أن فيها قلبا بتقديم اللام على العين، أطلقت على الشيطان أو الشياطين; لكونها مصدرا وفيها مبالغات، وهي [ ص: 297 ] التسمية بالمصدر، كأن عين الشيطان طغيان، وأن البناء بناء مبالغة، فإن الرحموت: الرحمة الواسعة، والملكوت: الملك المبسوط، والقلب هو للاختصاص، إذ لا تطلق على غير الشيطان، والمراد بها ههنا الجمع. وقرئ: (الطواغيت). أن يعبدوها بدل من الطاغوت بدل الاشتمال، لهم البشرى هي البشارة بالثواب، كقوله تعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة [يونس: 64] الله عز وجل يبشرهم بذلك في وحيه على ألسنة رسله، وتتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشرين، وحين يحشرون، قال الله تعالى: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات [الحديد: 12] وأراد بعباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم، وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة، فوضع الظاهر موضع الضمير، وأراد أن يكونوا نقادا في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران: واجب وندب، اختاروا الواجب، وكذلك المباح والندب، حراصا على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثوابا، ويدخل تحته المذاهب واختيار أثبتها على السبك وأقواها عند السبر، وأبينها دليلا أو أمارة، وأن لا تكون في مذهبك، كما قال القائل [من البسيط]:


                                                                                                                                                                                                ولا تكن مثل عير قيد فانقادا



                                                                                                                                                                                                يريد المقلد، وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل: يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها، ونحو: القصاص والعفو، والانتصار والإغضاء، والإبداء والإخفاء; لقوله تعالى: وأن تعفوا أقرب للتقوى [البقرة: 237]، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم [البقرة: 271] وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسن ومساو، فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه. ومن الوقفة من يقف على: فبشر عباد ، ويبتدئ: الذين يستمعون ، يرفعه على الابتداء، وخبره "أولئك".

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية