الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 73 ] 227 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : الدين النصيحة ، ومن جوابه لمن قال له : لمن يا رسول الله ؟ بما أجابه عن ذلك

1439 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا صفوان بن عيسى ، قال : حدثنا محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الدين النصيحة - ثلاثا - قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .

[ ص: 74 ]

1440 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا عبد القدوس بن محمد ، قال : حدثني محمد بن جهضم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، وعن سمي ، وعن عبيد الله بن مقسم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم ذكر مثله .

1441 - حدثنا الحسن بن غليب بن سعيد الأزدي ، قال : أخبرنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني ابن العجلان ، عن زيد بن أسلم ، وعن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم ذكر مثله .

1442 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا علي بن قادم ، قال : حدثنا [ ص: 75 ] سفيان ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن عطاء بن يزيد ، عن تميم الداري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم... فذكر مثله .

قال أبو جعفر : وهذا الإسناد مما يذكر أهل العلم بالأسانيد أن علي بن قادم غلط فيه ، فأدخل فيه أبا سهيل وهو أبو صالح بين سهيل وبين عطاء بن يزيد ، ويذكرون أن أصل هذا الإسناد ، عن سهيل ، عن عطاء نفسه .

1443 - كما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا سهيل بن أبي صالح ، عن عطاء بن يزيد ، عن تميم الداري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم ذكر مثله .

[ ص: 76 ] قال أبو جعفر : ومما قد دل على ما قالوه في ذلك

1444 - ما حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { الدين النصيحة } ، ثم ذكر مثله من غير أن يذكر فيه من بعد أبي صالح ، أخذ يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : سفيان فلقيت سهيل بن أبي صالح ، فقلت حديث حدثنيه عمرو بن دينار ، عن القعقاع ، عن أبيك ، أسمعته منه ؟ قال : وما هو ؟ قلت : قول النبي صلى الله عليه وسلم :{ الدين النصيحة } ، فقال سهيل : أنا سمعته من الذي سمعه أبي منه ، قال : سمعت رجلا من أهل الشام - يقال له : عطاء بن يزيد الليثي - يحدث به أبي ، عن تميم الداري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الدين النصيحة ... ثم ذكر بقية الحديث .

[ ص: 77 ] قال أبو جعفر : فدل ذلك أن أصل الحديث من حديث أبي صالح إنما هو ، عن عطاء بن يزيد ، عن تميم ، اللهم إلا أن يكون أبو صالح سمعه من عطاء بن يزيد وسمعه من أبي هريرة أيضا .

وقد روى هذا الحديث عبد الله بن نافع ، عن مالك ، عن سهيل ، فخالف الناس في إسناده .

1445 - كما قد حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : قرأت على عبد الله بن نافع ، قال : أخبرني مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم ذكر الحديث ، كما ذكرنا سواء .

[ ص: 78 ]

1446 - وقد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن عطاء بن يزيد ، عن تميم الداري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم ذكر هذا الحديث ، كما ذكره فهد ، عن أبي غسان ، عن زهير ، عن سهيل .

[ ص: 79 ] قال أبو جعفر : فقوي في القلوب أن أصل هذا الحديث عن سهيل ، هو كما حدثه عنه زهير بن معاوية وعبد العزيز بن المختار لا كما قد حدثه سواهما ، لا سيما وقد بين ابن عيينة عنه في ذلك ما قد ذكرناه ، عن بكار ، عن إبراهيم بن بشار في هذا الباب ، وقد وجدنا هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير حديث أبي هريرة وتميم الداري .

1447 - كما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو همام الدلال ، قال : حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ونافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الدين النصيحة ... } ثم ذكر بقية الحديث كمثل حديثه عن صفوان الذي ذكرناه في هذا الباب .

[ ص: 80 ] فقال قائل : كيف تقبلون هذا وتصححونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه : الدين النصيحة ، وكيف يكون الدين النصيحة ، وقد وجدتم الله عز وجل قال في كتابه : إن الدين عند الله الإسلام .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مخالف لما تلاه علينا من كتاب الله عز وجل ، إذ كانت النصيحة من الإسلام ، وقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها من بايعه على الإسلام .

1448 - كما حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن زياد بن علاقة ، قال : سمعت جرير بن عبد الله يقول : { بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم } . قال جرير : وإني لكم لناصح .

[ ص: 81 ]

1449 - وكما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن زياد بن علاقة ، قال : شهدت جرير بن عبد الله ... ثم ذكر عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

فكان فيما ذكرنا ما قد دل على أن النصيحة من الإسلام .

فقال هذا القائل : أفهي كل الإسلام الذي هو الدين على ما في هذه الآثار التي رويتموها في هذا الباب ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنها ليست كل الدين ، ولكنها بمكان من الدين جليل ، وكل ما جل من جنس من الأجناس جاز أن يطلق له الاسم الذي يسمى به ذلك الجنس ، فيذكر به كما يذكر به ذلك الجنس ، من ذلك أنك تقول : الناس العرب ، وفيهم غير العرب لجلالة العرب في الناس ؛ ولأنهم يبينون بالخاصية التي فيهم عن سائر الناس ، فجاز بذلك أن يقال : هم [ ص: 82 ] الناس ، ومن ذلك قولهم : المال النخل لجلالة النخل في الأموال ، وإن كان في الأموال سوى النخل ، فمثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الدين النصيحة } ، هو لجلالة موضع النصيحة من الدين ، وإن كان في الدين سواها .

فقال هذا القائل : فما معنى ما في تلك الآثار من قوله : ولكتابه ؟ فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن ذلك عندنا على تعليم كتابه وعلى النصح لمن يعلمونه إياه في تعليمهم ما يحتاجون إلى علمه من محكمه ومن متشابهه ، وما يعملون به منه ، وما يقفون عنده منه ؛ لأن الناس كانوا كذلك في أول الإسلام يتعلمون القرآن .

1450 - كما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود ، قال : كنا نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات فما نعلم العشر التي بعدهن حتى نتعلم ما أنزل في هذه العشر من العمل .

[ ص: 83 ]

1451 - وكما حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : أخبرنا أصحابنا الذين كانوا يعلمونا ، قالوا : كنا نعلم عشر آيات ، فما نتجاوزهن حتى نعلم ما فيهن من عمل .

[ ص: 84 ]

1452 - وكما حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : كان أصحابنا يقرئونا ويعلمونا ويخبرونا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ أحدهم عشر آيات ، فما يجوزها حتى يتعلم العمل فيها . قال : وقالوا : علمنا القرآن والعمل جميعا .

1453 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا [ ص: 85 ] عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن القاسم بن عوف ، قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : لقد عشنا برهة من دهر وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم ، فيتعلم حلالها وحرامها ، وآمرها وزاجرها ، وما ينبغي أن يوقف عنده منها ، كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن ، ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ، ولا يدري ما آمره ، ولا زاجره ، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه ، وينتثره نثر الدقل .

فكان فيما روينا كيفية تعليم الناس كان القرآن ، وكيفية أخذهم كان إياه ، وفي ذلك من المشقة على من كان يعلمه ، وعلى من كان يتعلمه ما لا خفاء به على سامعي هذه الآثار ، فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 86 ] من سأله عن النصيحة التي ذكرها في هذه الآثار ، لمن هي ؟ وفي ذلك النصيحة لكتاب الله ، والنصيحة له هي النصيحة لمن يأخذه تعليما ممن يأخذه منه ، وفيما ذكرنا بيان وجه هذا المعنى ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية