الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ووهبنا لداود سليمان الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال : لما وهب الله لداود سليمان قال له : يا بني ما أحسن؟ قال : سكينة الله والإيمان . قال : فما أقبح؟ قال : كفر بعد [ ص: 565 ] إيمان قال : فما أحلى؟ قال : روح الله بين عباده . قال : فما أبرد؟ قال : عفو الله عن الناس وعفو الناس بعضهم عن بعض . قال داود عليه السلام : فأنت نبي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن أيوب بن عثمان الأزدي قال : لما أراد داود أن يستخلف ابنه سليمان قال له سليمان : ألحب الولد تفعل هذا أم شيء أمرك الله به . قال داود : بل لحب الولد . فأبى سليمان أن يقبلها حتى أمره الله بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس قال : أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود : أن سائل ابنك عن سبع كلم، فإن أخبرك فورثه العلم والنبوة . فقال له داود : إن الله أوحى إلي أن أسألك عن سبع كلم، فإن أخبرتني ورثتك العلم والنبوة . قال : سلني عما شئت . قال : أخبرني ما أحلى من العسل؟ وما أبرد من الثلج؟ وما ألين مسا من الخز؟ وما لا يرى أثره في الماء؟ وما لا يرى أثره في الصفا؟ وما لا يرى أثره في السماء؟ ومن يسمن في الخصب والجدب؟ قال : أما ما أحلى من العسل فروح الله للمتحابين في الله، وأما ما أبرد من الثلج فكلام الله إذا قرع أفئدة أولياء الله، وأما ما ألين مسا من الخز فحكمة الله إذا [ ص: 566 ] نشرها أولياء الله بينهم، وأما ما لا يرى أثره في الماء فالفلك تمر فلا يرى أثرها، وأما ما لا يرى أثره في الصفا فالنملة تمر على الحجر فلا يرى أثرها، وأما ما لا يرى أثره في السماء فالطير يطير فلا يرى أثره، وأما من يسمن في الخصب والجدب فهو المؤمن إذا أعطاه الله شكر وإذا ابتلاه صبر فقلبه أجرد أزهر، قال : انظر إلى ابنك يومه فاسأله عن أربع عشرة كلمة، فإن أخبرك فورثه العلم والنبوة . فسأله فقال : ما لي بشيء من ذي علم . فقال داود لسليمان : أخبرني يا بني أين موضع العقل منك؟ قال : الدماغ . قال : أين موضع الحياء منك؟ قال : العينان . قال : أين موضع الباطل منك؟ قال : الأذنان . قال : أين باب الخطيئة منك؟ قال : اللسان . قال : أين طريق الريح منك؟ قال : المنخران . قال : أين موضع الأدب والبيان منك؟ قال : الكلوتان . قال : أين باب الفظاظة والغلظة منك؟ قال : الكبد . قال : أين بيت الريح منك؟ قال : الرئة . قال : أين باب الفرح منك؟ قال : الطحال . قال : أين باب الكسب منك؟ قال : اليدان . قال : أين باب النصب منك؟ قال : الرجلان . قال : أين باب الشهوة منك؟ قال : الفرج . [ ص: 567 ] قال : أين باب الذرية منك؟ قال : الصلب . قال : أين باب العلم والفهم والحكمة منك؟ قال : القلب، إذا صلح القلب صلح ذلك كله، وإذا فسد القلب فسد ذلك كله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب قال : كان مطيعا لله كثير الصلاة، إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد

                                                                                                                                                                                                                                      قال : يعني الخيل، وصفونها : قيامها وبسطها قوائمها، فقال إني أحببت حب الخير أي المال، عن ذكر ربي عن صلاة العصر، حتى توارت بالحجاب حتى دلكت براح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة : الصافنات الجياد قال : الخيل خيل خلقت على ما شاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله : الصافنات قال : صفون الفرس رفع إحدى يديه حتى يكون على أطراف الحافر، وفي قوله : الجياد قال : السراع .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 568 ] وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن الحسن وقتادة في قوله : الصافنات الجياد قال : الخيل إذا صفن قياما عقرها؛ قطع أعناقها وسوقها، وفي قوله : أحببت حب الخير عن ذكر ربي قال : الخير المال، والخيل من ذلك، يقول : شغلته عن الصلاة، قال : لا والله لا تشغليني عن عبادة الله آخر ما عليك، فكشف عراقيبها وضرب أعناقها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن عوف قال : بلغني أن الخيل التي عقر سليمان كانت خيلا ذوات أجنحة، أخرجت له من البحر لم تكن لأحد قبله ولا بعده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله : حب الخير قال : المال . وفي قوله : ردوها علي قال : الخيل، فطفق مسحا قال : عقرا بالسيف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن علي قال : الصلاة التي فرط فيها سليمان صلاة العصر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في "العظمة" عن كعب [ ص: 569 ] في قوله : حتى توارت بالحجاب قال : الحجاب حجاب من ياقوت أخضر محيط بالخلائق، فمنه اخضرت السماء التي يقال لها : السماء الخضراء واخضر البحر من السماء، فمن ثم يقال : البحر الأخضر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود عن عائشة قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال : ما هذا يا عائشة؟ قالت : بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت : فرس . قال : وما هذا الذي عليه؟ قالت : جناحان . قال : فرس له جناحان! قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ فضحك حتى رأيت نواجذه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي في قوله : إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد قال : كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة فعقرها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 570 ] وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير عن ابن مسعود في قوله : حتى توارت بالحجاب قال توارت الشمس من وراء ياقوتة خضراء فخضرة السماء منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" عن ابن عباس قال : كان سليمان لا يكلم إعظاما له، فلقد فاتته صلاة العصر، وما استطاع أحد أن يكلمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : عن ذكر ربي يقول : من ذكر ربي، فطفق مسحا يقول : جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في "الأوسط" والإسماعيلي في "معجمه"، وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : فطفق مسحا بالسوق والأعناق قال : قطع أعناقها وسوقها بالسيف .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية