الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        قد ذكرنا الكتابة الصحيحة بأركانها وشروطها . فأما التي لا تصح ، فتنقسم إلى باطلة وفاسدة .

                                                                                                                                                                        أما الباطلة فهي التي اختل بعض أركانها ، بأن كان السيد صبيا ، أو مجنونا ، أو مكرها على الكتابة ، أو كان العبد كذلك ، أو كاتب ولي الصبي والمجنون عبدهما ، أو لم يجر ذكر عوض ، أو ذكر ما لا يقصد ، ولا مالية فيه ، كالحشرات ، والدم ، أو اختلت الصيغة ، بأن فقد الإيجاب أو القبول ، أو لم يوافق أحدهما الآخر .

                                                                                                                                                                        وأما الفاسدة ، فهي التي اختلت صحتها لشرط فاسد في العوض ، بأن ذكر خمرا ، أو خنزيرا ، أو مجهولا ، أو لم يؤجله ، أو لم ينجمه ، أو كاتب بعض العبد . وضبطها الإمام فقال : إذا صدرت الكتابة إيجابا وقبولا ممن تصح عبارته ، وظهر اشتمالها المالية ، لكنها لم تجمع شرائط الصحة ، فهي الكتابة الفاسدة ، وجعل الصيدلاني الكتابة على دم أو ميتة كتابة فاسدة ، كالكتابة على خمر .

                                                                                                                                                                        [ ص: 232 ] إذا عرف هذا فالكتابة الباطلة لاغية إلا أنه إذا صرح بالتعليق ، وهو ممن يصح تعليقه ثبت حكم التعليق .

                                                                                                                                                                        وأما الفاسدة ، فإنها تشارك الصحيحة في بعض الأحكام كما سنذكره على الأثر إن شاء الله تعالى بخلاف البيع وغيره من العقود ، لا يفرق بين فاسدها وصحيحها ؛ لأن مقصود الكتابة العتق ، وهو لا يبطل بالتعليق على فاسد .

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب : تعليق العتق بالصفة ثلاثة أقسام .

                                                                                                                                                                        أحدها : التعليق الخالي عن المعاوضة كقوله : إن دخلت الدار ، أو كلمت فلانا ، فأنت حر .

                                                                                                                                                                        ومن هذا : إن أديت إلي كذا فأنت حر ، فإن المال ليس مذكورا على سبيل المعاوضة ، فهذا القسم لازم من الجانبين ، فليس للسيد ، ولا للعبد ، ولا لهما رفعه بالقول ، ويبطل بموت السيد .

                                                                                                                                                                        وإذا وجدت الصفة في حياة السيد عتق ، وكسبه قبل وجود الصفة للسيد . ولو أبرأه في صورة التعليق بأداء المال عن المال لم يعتق ، ولا تراجع بين السيد وبينه .

                                                                                                                                                                        القسم الثاني : التعليق في عقد يغلب فيه معنى المعاوضة ، وهو الكتابة الصحيحة ، وستأتي أحكامها إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        الثالث : التعليق في عقد فيه معنى المعاوضة ، ويغلب فيه معنى التعليق ، وهو الكتابة الفاسدة ، وهي كالصحيحة في أحكام .

                                                                                                                                                                        أحدها : أنه إذا أدى العبد المسمى عتق بموجب التعليق ، ولا يعتق بإبراء السيد ، ولا بأداء الغير عنه تبرعا ؛ لأن الصفة لا تحصل بهما . ولو اعتاض عن المسمى لم يعتق أيضا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 233 ] الثاني : أنه يستقل بالاكتساب ، فيتردد ويتصرف ، فيؤدي المسمى ويعتق . وإذا أدى ، فما فضل من الكسب ، فهو له ؛ لأن الفاسدة كالصحيحة في حصول العتق بالأداء ، فكذلك في الكسب ، وولد المكاتب من جارية ككسبه ، لكن لا يجوز له بيعه ؛ لأنه مكاتب عليه ، فإذا عتق تبعه ، وعتق عليه .

                                                                                                                                                                        وهل يتبع المكاتبة كتابة فاسدة ولدها ؟ طريقان .

                                                                                                                                                                        المذهب : نعم ، كالكسب . والثاني : قولان ، كما سبق في باب التدبير في ولد المعلق عتقها بصفة .

                                                                                                                                                                        الثالث : ذكر الإمام والغزالي أنه إذا استقل ، سقطت نفقته عن السيد ، وأن معاملته كالمكاتب كتابة صحيحة .

                                                                                                                                                                        والذي ذكره البغوي أنه لا تجوز معاملته مع السيد ، ولا ينفذ تصرفه فيما في يده ، كما في المعلق عتقه بصفة ، ولعل هذا أقوى .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        المكاتب كتابة صحيحة ، هل له السفر بغير إذن السيد ؟ فيه نصان ، فقيل : قولان أظهرهما : الجواز ؛ لأنه يستعين به على الكسب ، ولأنه في يد نفسه ، وعليه دين مؤجل ، فلم يمنع السفر .

                                                                                                                                                                        وقيل : نص الجواز محمول على سفر قصير ، والمنع على طويل . وقيل : الجواز إذا لم يحل النجم ، والمنع إذا حل ، فإن جوزناه ، فهل يجوز للمكاتب كتابة فاسدة ؟ وجهان ، أصحهما : لا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية