الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      ما جاء في خلع غير مدخول قلت : أرأيت لو أن رجلا تزوج امرأة على مهر مائة دينار فدفع إليها المائة فخالعته قبل البناء بها على أن دفعت إليه غلامها ، هل يرجع إليها بنصف المائة أم لا ؟ قال ابن القاسم : أرى أن ترد المائة كلها ، وذلك أني سمعت مالكا وسئل عن رجل تزوج امرأة بمهر مسمى ، فافتدت منه بعشرة دنانير تدفعها إليه قبل أن يدخل بها على أن يخلي سبيلها ، ففعل ثم أرادت أن تتبعه بنصف المهر ، قال : ذلك ليس لها . وقال مالك : هو لم يرض أن يخلي سبيلها حتى يأخذ منها فكيف تتبعه ؟ قال : وسمعت الليث يقول ذلك قال ابن القاسم : ولم نسأل إن كان ينقدها أو لم ينقدها .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وسواء عندي نقدها أو لم ينقدها ، ومما يبين أن لو كان نقدها ثم دعته إلى متاركتها ومبارأتها ففعل لوجب عليها إن كانت أخذت الصداق أن ترده كله ، فهي حين زادته آخران لا يمسك من المهر شيئا إن كانت قبضته ، لو كان يكون لها أن تتبعه إذا أعطته لكان يكون لها أن تتبعه إذا لم تعطه وهما إذا اصطلحا قبل أن يدخل بها أو يتفرقا على وجه المبارأة من أحدهما لصاحبه ، مما لا شك فيه أنها لا تحبس شيئا مما كان نقدها ولم تتبعه بشيء إن كان لم ينقدها ، فهو حين أنه لم يرض أن يتاركها أو يبارئها حتى أخذ منها أحرى أن لا تتبعه في الوجهين جميعا . ولكن لو أن رجلا قد تزوج امرأة وسمى لها صداقها فسألته قبل أن يدخل أن يطلقها على أن تعطيه شيئا من صداقها كان له ما أعطته من صداقها ورجعت عليه فيما بقي بنصف ما بقي من صداقها إن كان لم ينقدها ، وإن كان قد نقدها رجع عليها بنصف ما بقي في يديها بعد الذي أعطته من صداقها .

                                                                                                                                                                                      وإن كانت إنما قالت طلقني تطليقة ولك عشرة دنانير فإنه إن كان لم يستثن ذلك من صداقها فإنها تتبعه بنصف المهر إن كان لم [ ص: 245 ] ينقدها إياه ، ويتبعها بنصف المهر إن كان قد نقدها إياه ، سواء الذي أخذ منها أو أخذته منه ، وإنما اشترت منه طلاقها ، ومما يبين ذلك لك أن لو قالت له طلقني قبل أن يدخل بها ولم تأخذ منه شيئا أتبعه بنصف الصداق وإن كان لم ينقده إياها وأتبعها بنصف الصداق وإن كان نقده إياها ، وإنما اشترت منه طلاقها بالذي أعطته ، فكما كان في الخلع إن لم تعطه شيئا واصطلحا على أن يتفرقا وعلى أن يتتاركا فلم يكن لها شيء من صداقها أعطته أو لم تعطه فكذلك إذا أعطته شيئا سوى ذلك أجزأ إلا أن يكون لها من صداقها شيء ; لأنه لم يكن يرض أن يخالعها إلا بالذي زادته من ذلك ، وكما كان يكون لو طلقها كان له نصف الصداق قبضته أو لم تقبضه ، فكذلك يكون لها نصف الصداق عليه إذا اشترت منه طلاقها ، فهما وجهان بينان ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية