الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خلا ]

                                                          خلا : خلا المكان والشيء يخلو خلوا وخلاء وأخلى إذا لم يكن فيه أحد ، ولا شيء فيه ، وهو خال . والخلاء من الأرض : قرار خال . واستخلى : كخلا من باب علا قرنه واستعلاه . ومن قوله تعالى : وإذا رأوا آية يستسخرون ؛ من تذكرة أبي علي . ومكان خلاء : لا أحد به ولا شيء فيه . وأخلى المكان : جعله خاليا . وأخلاه : وجده كذلك . وأخليت أي خلوت ، وأخليت غيري ، يتعدى ولا يتعدى ؛ قال عتي بن مالك العقيلي :


                                                          أتيت مع الحداث ليلى فلم أبن فأخليت فاستعجمت عند خلائي



                                                          قال ابن بري : قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه أخليت وجدتها خالية مثل أجبنته وجدته جبانا ، فعلى هذا القول يكون مفعول أخليت محذوفا أي أخليتها . وفي حديث أم حبيبة : قالت له لست لك بمخلية ، أي لم أجدك خاليا من الزوجات غيري ، قال : وليس من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الزوج . وخلا الرجل وأخلى : وقع في موضع خال لا يزاحم فيه . وفي المثل : الذئب مخليا أسد . والخلاء ممدود : البراز من الأرض . وألفيت فلانا بخلاء من الأرض أي بأرض خالية . وخلت الدار خلاء إذا لم يبق فيها أحد ، وأخلاها الله إخلاء . وخلا لك الشيء وأخلى : بمعنى فرغ ؛ قال معن بن أوس المزني :


                                                          أعاذل هل يأتي القبائل حظها     من الموت أم أخلى لنا الموت وحدنا



                                                          ووجدت الدار مخلية أي خالية ، وقد خلت الدار وأخلت . [ ص: 149 ] ووجدت فلانة مخلية أي خالية . وفي الحديث عن ابن مسعود قال : إذا أدركت من الجمعة ركعة فإذا سلم الإمام فأخل وجهك وضم إليها ركعة ، وإن لم تدرك الركوع فصل أربعا ؛ قال شمر : قوله فأخل وجهك معناه فيما بلغنا استتر بإنسان أو شيء وصل ركعة أخرى ، ويحمل الاستتار على أن لا يراه الناس مصليا ما فاته فيعرفوا تقصيره في الصلاة ، أو لأن الناس إذا فرغوا من الصلاة انتشروا راجعين فأمره أن يستتر بشيء لئلا يمروا بين يديه . قال : ويقال أخل أمرك واخل بأمرك أي تفرد به وتفرغ له . وتخليت : تفرغت . وخلا على بعض الطعام إذا اقتصر عليه . وأخليت عن الطعام أي خلوت عنه . وقال اللحياني : تميم تقول خلا فلان على اللبن وعلى اللحم إذا لم يأكل معه شيئا ولا خلطه به ، قال : وكنانة وقيس يقولون أخلى فلان على اللبن واللحم ؛ قال الراعي :


                                                          رعته أشهرا وخلا عليها     فطار الني فيها واستغارا



                                                          ابن الأعرابي : اخلولى إذا دام على أكل اللبن ، واطلولى حسن كلامه ، واكلولى إذا انهزم . وفي الحديث : لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه ، يعني الماء واللحم أي ينفرد بهما . يقال : خلا وأخلى ، وقيل : يخلو يعتمد ، وأخلى إذا انفرد ؛ ومنه الحديث : فاستخلاه البكاء أي انفرد به ؛ ومنه قولهم : أخلى فلان على شرب اللبن إذا لم يأكل غيره ، قال أبو موسى : قال أبو عمرو هو بالخاء المعجمة وبالحاء لا شيء . واستخلاه مجلسه أي سأله أن يخليه له . وفي حديث ابن عباس : كان أناس يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء ؛ يتخلوا : من الخلاء وهو قضاء الحاجة ، يعني يستحيون أن ينكشفوا عند قضائها تحت السماء . والخلاء ، ممدود : المتوضأ لخلوه . واستخلى الملك فأخلاه وخلا به ، وخلا الرجل بصاحبه وإليه ومعه ؛ عن أبي إسحاق خلوا وخلاء وخلوة ، الأخيرة عن اللحياني : اجتمع معه في خلوة . قال الله تعالى : وإذا خلوا إلى شياطينهم ؛ ويقال : إلى بمعنى مع كما قال تعالى : من أنصاري إلى الله . وأخلى مجلسه ؛ وقيل : الخلاء والخلو المصدر ، والخلوة الاسم . وأخلى به : كخلا ؛ هذه عن اللحياني ، قال : ويصلح أن يكون خلوت به أي سخرت منه . وخلا به : سخر منه . قال الأزهري : وهذا حرف غريب لا أعرفه لغيره ، وأظنه حفظه . وفلان يخلو بفلان إذا خادعه . وقال بعضهم : أخليت بفلان أخلي به إخلاء ، المعنى خلوت به . ويقول الرجل للرجل : اخل معي حتى أكلمك أي كن معي خاليا . وقد استخليت فلانا : قلت له أخلني ؛ قال الجعدي :


                                                          وذلك من وقعات المنون     فأخلي إليك ولا تعجبي



                                                          أي أخلي بأمرك من خلوت . وخلا الرجل يخلو خلوة . وفي حديث الرؤيا : أليس كلكم يرى القمر مخليا به ؟ يقال : خلوت به ومعه وإليه وأخليت به إذا انفردت به ، أي كلكم يراه منفردا لنفسه ، كقوله : لا تضارون في رؤيته . وفي حديث بهز بن حكيم : إنهم ليزعمون أنك تنهى عن الغي وتستخلي به ؛ أي تستقل به وتنفرد . وحكي عن بعض العرب : تركته مخليا بفلان أي خاليا به . واستخلى به : كخلا ، عنه أيضا ، وخلى بينهما وأخلاه معه . وكنا خلوين أي خاليين . وفي المثل : خلاؤك أقنى لحيائك ؛ أي منزلك إذا خلوت فيه ألزم لحيائك ، وأنت خلي من هذا الأمر أي خال فارغ من الهم ، وهو خلاف الشجي . وفي المثل : ويل للشجي من الخلي ؛ الخلي الذي لا هم له الفارغ ، والجمع خليون وأخلياء . والخلو : كالخلي ، والأنثى خلوة وخلو ؛ أنشد سيبويه :


                                                          وقائلة خولان فانكح فتاتهم     وأكرومة الحيين خلو كما هيا



                                                          والجمع أخلاء . قال اللحياني : الوجه في خلو أن لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث وقد ثنى بعضهم وجمع وأنث ، قال : وليس بالوجه . وفي حديث أنس : أنت خلو من مصيبتي ؛ الخلو ، بالكسر : الفارغ البال من الهموم ، والخلو أيضا المنفرد ؛ ومنه الحديث : إذا كنت إماما أو خلوا . وحكى اللحياني أيضا : أنت خلاء من هذا الأمر كخلي ، فمن قال خلي ثنى وجمع وأنث ، ومن قال خلاء لم يثن ولا جمع ولا أنث . وتقول : أنا منك خلاء أي براء ، إذا جعلته مصدرا لم تثن ولم تجمع ، وإذا جعلته اسما على فعيل ثنيت وجمعت وأنثت وقلت أنا خلي منك أي بريء منك . ويقال : هو خلو من هذا الأمر أي خال ، وقيل : أي خارج ، وهما خلو وهم خلو . وقال بعضهم : هما خلوان من هذا الأمر وهم خلاء ، وليس بالوجه . والخالي : العزب الذي لا زوجة له ، وكذلك الأنثى ، بغير هاء ، والجمع أخلاء ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          ألم ترني أصبي على المرء عرسه     وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي



                                                          وخلى الأمر وتخلى منه وعنه وخالاه : تركه . وخالى فلانا : تركه ؛ قال النابغة الذبياني لزرعة بن عوف ، حين بعث بنو عامر إلى حصن بن فزارة وإلى عيينة بن حصن أن اقطعوا ما بينكم وبين بني أسد ، وألحقوهم ببني كنانة ونحالفكم ، فنحن بنو أبيكم ، وكان عيينة هم بذلك فقال النابغة :


                                                          قالت بنو عامر خالوا بني أسد     يا بؤس للحرب ضرارا لأقوام



                                                          أي تاركوهم ، وهو من ذلك . وفي حديث ابن عمر في قوله تعالى : ليقض علينا ربك ، قال : فخلى عنهم أربعين عاما ثم قال اخسئوا فيها ؛ أي تركهم وأعرض عنهم . وخالاني فلان مخالاة أي خالفني . يقال : خاليته خلاء إذا تركته ؛ وقال :


                                                          يأبى البلاء فما يبغي بهم بدلا     وما أريد خلاء بعد إحكام



                                                          يأبى البلاء أي التجربة ، أي جربناهم فأحمدناهم فلا نخاليهم . والخلية والخلي : ما تعسل فيه النحل من غير ما يعالج لها من العسالات ، وقيل : الخلية ما تعسل فيه النحل من راقود أو طين أو خشبة منقورة ، وقيل : الخلية بيت النحل الذي تعسل فيه ، وقيل : [ ص: 150 ] الخلية ما كان مصنوعا ، وقيل : الخلية والخلي خشبة تنقر فيعسل فيها النحل ؛ قال :


                                                          إذا ما تأرت بالخلي ابتنت به     شريجين مما تأتري وتتيع



                                                          شريجين أي ضربين من العسل . والخلية : أسفل شجرة يقال لها الخزمة كأنه راقود ، وقيل : هو مثل الراقود يعمل لها من طين . وفي الحديث : في خلايا النحل إن فيها العشر . الليث : إذا سويت الخلية من طين فهي كوارة . وفي حديث عمر - رضي الله عنه : أن عاملا له على الطائف كتب إليه أن رجالا من فهم كلموني في خلايا لهم أسلموا عليها وسألوني أن أحميها لهم ؛ الخلايا : جمع خلية وهو الموضع الذي تعسل فيه النحل . والخلية من الإبل : التي خليت للحلب ، وقيل : هي التي عطفت على ولد ، وقيل : هي التي خلت عن ولدها ورئمت ولد غيرها ، وإن لم ترأمه فهي خلية أيضا ، وقيل : هي التي خلت عن ولدها بموت أو نحر فتستدر بولد غيرها ولا ترضعه ، إنما تعطف على حوار تستدر به من غير أن ترضعه ، فسميت خلية لأنها لا ترضع ولدها ولا غيره ؛ وقال اللحياني : الخلية التي تنتج وهي غزيرة فيجر ولدها من تحتها فيجعل تحت أخرى وتخلى هي للحلب وذلك لكرمها . قال الأزهري : ورأيت الخلايا في حلائبهم ، وسمعتهم يقولون : بنو فلان قد خلوا وهم يخلون . والخلية : الناقة تنتج فينحر ولدها ساعة يولد قبل أن تشمه ويدنى منها ولد ناقة كانت ولدت قبلها فتعطف عليه ، ثم ينظر إلى أغزر الناقتين فتجعل خلية ، ولا يكون للحوار منها إلا قدر ما يدرها وتركت الأخرى للحوار يرضعها متى ما شاء وتسمى بسوطا ، وجمعها بسط ، والغزيرة التي يتخلى بلبنها أهلها هي الخلية . أبو بكر : ناقة مخلاء أخليت عن ولدها ؛ قال أعرابي :


                                                          عيط الهوادي نيط منها بالحقي     أمثال أعدال مزاد المرتوي
                                                          من كل مخلاء ومخلاة صفي



                                                          والمرتوي : المستقي ، وقيل : الخلية ناقة أو ناقتان أو ثلاث يعطفن على ولد واحد فيدررن عليه فيرضع الولد من واحدة ، ويتخلى أهل البيت لأنفسهم واحدة أو ثنتين يحلبونها . ابن الأعرابي : الخلية الناقة تنتج فينحر ولدها عمدا ليدوم لهم لبنها فتستدر بحوار غيرها ، فإذا درت نحي الحوار واحتلبت ، وربما جمعوا من الخلايا ثلاثا وأربعا على حوار واحد وهو التلسن . وقال ابن شميل : ربما عطفوا ثلاثا وأربعا على فصيل وبأيتهن شاءوا تخلوا . وتخلى خلية : اتخذها لنفسه ؛ ومنه قول خالد بن جعفر بن كلاب يصف فرسا :


                                                          أمرت بها الرعاء ليكرموها     لها لبن الخلية والصعود



                                                          ويروى :


                                                          أمرت الراعيين ليكرماها



                                                          والخلية من الإبل : المطلقة من عقال . ورفع إلى عمر - رضي الله عنه - رجل وقد قالت له امرأته : شبهني فقال : كأنك ظبية ، كأنك حمامة ! فقالت : لا أرضى حتى تقول خلية طالق ! فقال ذلك ، فقال عمر - رضي الله عنه : خذ بيدها فإنها امرأتك لما لم تكن نيته الطلاق ، وإنما غالطته بلفظ يشبه لفظ الطلاق ؛ قال ابن الأثير : أراد بالخلية هاهنا الناقة تخلى من عقالها ، وطلقت من العقال تطلق طلقا فهي طالق ، وقيل : أراد بالخلية الغزيرة يؤخذ ولدها فيعطف عليه غيرها وتخلى للحي يشربون لبنها ، والطالق : الناقة التي لا خطام لها ، وأرادت هي مخادعته بهذا القول ليلفظ به فيقع عليها الطلاق ، فقال له عمر : خذ بيدها فإنها امرأتك ، ولم يوقع الطلاق لأنه لم ينو الطلاق ، وكان ذلك خداعا منها . وفي حديث أم زرع : كنت لك كأبي زرع لأم زرع في الألفة والرفاء لا في الفرقة والخلاء ، يعني أنه طلقها وأنا لا أطلقك . وقال اللحياني : الخلية كلمة تطلق بها المرأة يقال لها أنت برية وخلية ، كناية عن الطلاق تطلق بها المرأة إذا نوى طلاقا ، فيقال : قد خلت المرأة من زوجها . وقال ابن بزرج : امرأة خلية ونساء خليات لا أزواج لهن ولا أولاد ، وقال : امرأة خلوة وامرأتان خلوتان ونساء خلوات أي عزبات . ورجل خلي وخليان وأخلياء : لا نساء لهم . وفي حديث ابن عمر : الخلية ثلاث ، كان الرجل في الجاهلية يقول لزوجته أنت خلية فكانت تطلق منه ، وهي في الإسلام من كنايات الطلاق فإذا نوى بها الطلاق وقع . أبو العباس أحمد بن يحيى : إنه لحلو الخلا إذا كان حسن الكلام ؛ وأنشد لكثير :


                                                          ومحترش ضب العداوة منهمو     بحلو الخلا حرش الضباب الخوادع



                                                          شمر : المخالاة المبارزة . والمخالاة : أن يتخلوا من الدور ويصيروا إلى الدثور . الليث : خاليت فلانا إذا صارعته ، وكذلك المخالاة في كل أمر ؛ وأنشد أبو دلامة :


                                                          ولا يدري الشقي بمن يخالي



                                                          قال الأزهري : كأنه إذا صارعه خلا به فلم يستعن واحد منهما بأحد ، وكل واحد منهما يخلو بصاحبه . ويقال : عدو مخال أي ليس له عهد ؛ وقال الجعدي :


                                                          غير بدع من الجياد ولا يج     نبن إلا على عدو مخالي



                                                          وقال بعضهم : خاليت العدو تركت ما بيني وبينه من المواعدة ، وخلا كل واحد منهما من العهد . والخلية : السفينة التي تسير من غير أن يسيرها ملاح ، وقيل : هي التي يتبعها زورق صغير ، وقيل : الخلية العظيمة من السفن ، والجمع خلايا ، قال الأزهري : وهو الصحيح ؛ قال طرفة :


                                                          كأن حدوج المالكية غدوة     خلايا سفين بالنواصف من دد



                                                          وقال الأعشى :


                                                          يكب الخلية ذات القلاع     وقد كاد جؤجؤها ينحطم



                                                          [ ص: 151 ] وخلا الشيء خلوا : مضى . وقوله تعالى : وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ؛ أي مضى وأرسل . والقرون الخالية : هم المواضي . ويقال : خلا قرن فقرن أي مضى . وفي حديث جابر : تزوجت امرأة قد خلا منها ؛ أي كبرت ومضى معظم عمرها ؛ ومنه الحديث : فلما خلا سني ونثرت له ذا بطني ؛ تريد أنها كبرت وأولدت له . وتخلى عن الأمر ومن الأمر : تبرأ . وتخلى : تفرغ . وفي حديث معاوية القشيري : قلت : يا رسول الله ما آيات الإسلام ؟ قال : ( أن تقول أسلمت وجهي إلى الله وتخليت ) ؛ التخلي : التفرغ . يقال : تخلى للعبادة ، وهو تفعل من الخلو ، والمراد التبرؤ من الشرك وعقد القلب على الإيمان . وخلى عن الشيء : أرسله ، وخلى سبيله فهو مخلى عنه ، ورأيته مخليا ؛ قال الشاعر :


                                                          ما لي أراك مخليا     أين السلاسل والقيود
                                                          أغلا الحديد بأرضكم     أم ليس يضبطك الحديد



                                                          وخلى فلان مكانه إذا مات ؛ قال :


                                                          فإن يك عبد الله خلى مكانه     فما كان وقافا ولا متنطقا



                                                          قال ابن الأعرابي : خلا فلان إذا مات ، وخلا إذا أكل الطيب ، وخلا إذا تعيد ، وخلا إذا تبرأ من ذنب قرف به . ويقال : لا أخلى الله مكانك ، تدعو له بالبقاء . وخلا : كلمة من حروف الاستثناء تجر ما بعدها وتنصبه ، فإذا قلت ما خلا زيدا ، فالنصب لا غير . الليث : يقال ما في الدار أحد خلا زيدا وزيد ، نصب وجر ، فإذا قلت ما خلا زيدا فانصب فإنه قد بين الفعل . قال الجوهري : تقول جاءوني خلا زيدا ، تنصب بها إذا جعلتها فعلا وتضمر فيها الفاعل كأنك قلت خلا من جاءني من زيد ؛ قال ابن بري : صوابه خلا بعضهم زيدا ، فإذا قلت خلا زيد فجررت ، فهو عند بعض النحويين حرف جر بمنزلة حاشى ، وعند بعضهم مصدر مضاف ، وأما ما خلا فلا يكون بعدها إلا النصب ، تقول جاءوني ما خلا زيدا لأن خلا لا تكون بعد ما إلا صلة لها ، وهي معها مصدر ، كأنك قلت جاءوني خلو زيد أي خلوهم من زيد . قال ابن بري : ما المصدرية لا توصل بحرف الجر ، فدل أن خلا فعل . وتقول : ما أردت مساءتك خلا أني وعظتك ، معناه إلا أني وعظتك ؛ وأنشد :


                                                          خلا الله لا أرجو سواك وإنما     أعد عيالي شعبة من عيالكا



                                                          وفي المثل : أنا من هذا الأمر كفالج بن خلاوة ؛ أي بريء خلاء ، وهو مذكور في حرف الجيم . وخلاوة : اسم رجل مشتق من ذلك . وبنو خلاوة : بطن من أشجع ، وهو خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع ؛ قال أبو الربيس التغلبي :


                                                          خلاوية إن قلت جودي وجدتها     نوار الصبا قطاعة للعلائق



                                                          وقال أبو حنيفة : الخلوتان شفرتا النصل ، واحدتهما خلوة . وقولهم : افعل كذا وخلاك ذم أي أعذرت وسقط عنك الذم ؛ قال عبد الله بن رواحة :


                                                          فشأنك فانعمي وخلاك ذم     ولا أرجع إلى أهل ورائي



                                                          وفي حديث علي - رضوان الله عليه : وخلاكم ذم ما لم تشردوا ، هو من ذلك . والخلي : الرطب من النبات ، واحدته خلاة . الجوهري : الخلى الرطب من الحشيش . قال ابن بري : يقال الخلى الرطب ، بالضم لا غير ، فإذا قلت الرطب من الحشيش فتحت لأنك تريد ضد اليابس ، وقيل : الخلاة كل بقلة قلعتها ، وقد يجمع الخلى على أخلاء ؛ حكاه أبو حنيفة . وجاء في المثل : عبد وخلى في يديه ، أي أنه مع عبوديته غني . قال يعقوب : ولا تقل وحلي في يديه . وقال الأصمعي : الخلي الرطب من الحشيش ، وبه سميت المخلاة ، فإذا يبس فهو حشيش ؛ ابن سيده : وقول الأعشى :


                                                          وحولي بكر وأشياعها     ولست خلاة لمن أوعدن



                                                          أي لست بمنزلة الخلاة يأخذها الآخذ كيف شاء بل أنا في عز ومنعة . وفي حديث معتمر : سئل مالك عن عجين يعجن بدردي . فقال : إن كان يسكر فلا ، فحدث الأصمعي به معتمرا فقال : أو كان كما قال :


                                                          رأى في كف صاحبه خلاة     فتعجبه ويفزعه الجرير



                                                          الخلاة : الطائفة من الخلا ، وذلك أن معناه أن الرجل يند بعيره ، فيأخذ بإحدى يديه عشبا وبالأخرى حبلا ، فينظر البعير إليهما فلا يدري ما يصنع ، وذلك أنه أعجبه فتوى مالك وخاف التحريم لاختلاف الناس في المسكر فتوقف وتمثل بالبيت . وأخلت الأرض : كثر خلاها . وأخلى الله الماشية يخليها إخلاء : أنبت لها ما تأكل من الخلى ؛ هذه عن اللحياني . وخلى الخلى خليا واختلاه فانخلى : جزه وقطعه ونزعه ، وقال اللحياني : نزعه . والمخلى : ما خلاه وجزه به . والمخلاة : ما وضعه فيه . وخلى في المخلاة : جمع ؛ عن اللحياني . الليث : الخلى هو الحشيش الذي يحتش من بقول الربيع ، وقد اختليته ، وبه سميت المخلاة ، والواحدة خلاة ، وأعطني مخلاة أخلي فيها . وخليت فرسي إذا حششت عليه الحشيش . وفي حديث تحريم مكة : لا يختلى خلاها ؛ الخلى : النبات الرقيق ما دام رطبا . وفي حديث ابن عمر : كان يختلي لفرسه ؛ أي يقطع لها الخلى . وفي حديث عمرو بن مرة : إذا اختليت في الحرب هام الأكابر ؛ أي قطعت رءوسهم . وخلى البعير والفرس يخليها خليا : جز له الخلى . والسيف يختلي أي يقطع . والمختلون والخالون : الذين يختلون الخلى ويقطعونه . وخلى اللجام عن الفرس يخليه : نزعه . وخلى الفرس خليا : ألقى في فيه اللجام ؛ قال ابن مقبل في خليت الفرس :


                                                          تمطيت أخليه اللجام وبذني     وشخصي يسامي شخصه وهو طائله



                                                          وخلى القدر خليا : ألقى تحتها حطبا . وخلاها أيضا : طرح فيها [ ص: 152 ] اللحم . ابن الأعرابي : أخليت القدر إذا ألقيت تحتها حطبا . وخليتها إذا طرحت فيها اللحم ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية