الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين

                                                                                                                                                                                                كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته، فأخبر أن الموت يعمهم، فلا معنى للتربص، وشماتة الباقي بالفاني. وعن قتادة : نعى إلى نبيه نفسه، ونعى إليكم أنفسكم. وقرئ: (مائت ومائتون)، والفرق بين الميت والمائت: أن الميت صفة لازمة كالسيد، وأما المائت فصفة حادثة، تقول: زيد مائت غدا، كما تقول: سائد غدا، أي سيموت وسيسود. وإذا قلت: زيد ميت، فكما تقول: حي في نقيضه، فيما يرجع إلى اللزوم والثبوت. والمعنى في قوله: إنك ميت وإنهم ميتون إنك وإياهم، وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى; لأن ما هو كائن فكأن قد كان، ثم إنكم ثم إنك وإياهم، فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب "تختصمون" فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، فاجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد، ويعتذرون بما لا طائل تحته، تقول الأتباع: أطعنا سادتنا وكبراءنا، وتقول السادات: أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون; وقد حمل على اختصام الجميع، وأن الكفار يخاصم بعضهم بعضا، حتى يقال لهم: لا تختصموا لدي [ق: 28] والمؤمنون الكافرين يبكتونهم بالحجج، وأهل القبلة يكون بينهم الخصام. قال عبد الله بن عمر : لقد عشنا برهة من دهرنا وديننا ونحن نرى أن هذه الآية أنزلت فينا وفى أهل الكتاب؟ قلنا: كيف نختصم ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها أنزلت فينا. وقال أبو سعيد الخدري : [ ص: 305 ] كنا نقول: ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد، فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف، قلنا: نعم هو هذا. وعن إبراهيم النخعي قالت الصحابة: ما خصومتنا ونحن إخوان؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا: هذه خصومتنا. وعن أبي العالية : نزلت في أهل القبلة. والوجه الذي يدل عليه كلام الله هو ما قدمت أولا. ألا ترى إلى قوله تعالى: فمن أظلم ممن كذب على الله وقوله تعالى: والذي جاء بالصدق وصدق به [الزمر: 33] وما هو إلا بيان وتفسير للذين يكون بينهم الخصومة. كذب على الله افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه. وكذب بالصدق بالأمر الذي هو الصدق بعينه، وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه فاجأه بالتكذيب; لما سمع به من غير وقفة; لإعمال روية واهتمام بتمييز بين حق وباطل، كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون. مثوى للكافرين أي: لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق، واللام في "للكافرين" إشارة إليهم.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية