الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الصرف

                                                                                                          1241 حدثنا أحمد بن منيع أخبرنا حسين بن محمد أخبرنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن نافع قال انطلقت أنا وابن عمر إلى أبي سعيد فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعته أذناي هاتان يقول لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل لا يشف بعضه على بعض ولا تبيعوا منه غائبا بناجز قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة وهشام بن عامر والبراء وزيد بن أرقم وفضالة بن عبيد وأبي بكرة وابن عمر وأبي الدرداء وبلال قال وحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الربا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلا ما روي عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يباع الذهب بالذهب متفاضلا والفضة بالفضة متفاضلا إذا كان يدا بيد وقال إنما الربا في النسيئة وكذلك روي عن بعض أصحابه شيء من هذا وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عن قوله حين حدثه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم والقول الأول أصح والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق وروي عن ابن المبارك أنه قال ليس في الصرف اختلاف

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          هو بيع الذهب بالفضة وبالعكس ، قاله العيني .

                                                                                                          قوله : ( انطلقت أنا ، وابن عمر إلى أبي سعيد ) وأخرجه مسلم من طريق الليث عن نافع أن ابن عمر قال له رجل من بني ليث : إن أبا سعيد الخدري يأثر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال نافع فانطلق عبد الله ، وأنا معه والليث حتى دخل على أبي سعيد الخدري فقال : إن هذا أخبرني أنك تخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الورق [ ص: 369 ] بالورق إلا مثلا بمثل الحديث . فأشار أبو سعيد بأصبعيه إلى عينيه وأذنيه فقال : أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إلخ . ( لا تبيعوا الذهب بالذهب ) يدخل في الذهب جميع أصنافه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلي وتبر وخالص ومغشوش ، ونقل النووي تبعا لغيره في ذلك الإجماع ( إلا مثلا بمثل ) أي : إلا حال كونهما متماثلين أي : متساويين ( والفضة بالفضة ) المراد بالفضة جميع أنواعها مضروبة وغير مضروبة ( لا يشف بعضه على بعض ) بصيغة المضارع المجهول من الإشفاف ، وهو التفضيل يقال شف الدرهم يشف إذا زاد وإذا نقص من الأضداد ، وأشفه غيره يشفه ، كذا في عمدة القاري . ( ولا تبيعوا منه غائبا ) أي : غير حاضر ( بناجز ) أي : حاضر من النجز بالنون والجيم والزاي ، قال الحافظ في الفتح أي : مؤجلا بحال ، والمراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا ، مؤجلا كان ، أو حالا ، والناجز الحاضر . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي بكر إلخ ) قال الحافظ في التلخيص : وفي الباب عن عمر رضي الله عنه في الستة ، وعن علي في المستدرك ، وعن أبي هريرة في مسلم ، وعن أنس في الدارقطني ، وعن بلال في البزار وعن أبي بكرة متفق عليه ، وعن ابن عمر في البيهقي ، وهو معلول . انتهى . قلت : وحديث زيد بن أرقم والبزار مرفوعا بلفظ : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا . أخرجاه في الصحيحين ، وأما أحاديث باقي الصحابة رضي الله عنهم فلينظر من أخرجها ، قوله : ( حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ، ومسلم ، قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم إلا ما روي عن ابن عباس إلخ ) اعلم أن بيع الصرف له شرطان ، منع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه ، وهو المجمع عليه ، ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما ، وهو قول الجمهور ، وخالف فيه ابن عمر ، ثم رجع ، وابن عباس واختلف في رجوعه ، وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوي سألت أبا مجلز عن الصرف فقال : كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا بعين يدا بيد ، وكان يقول : إنما الربا في النسيئة . فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث ، وفيه : التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير [ ص: 370 ] بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد مثلا بمثل فمن زاد فهو ربا . فقال ابن عباس : أستغفر الله وأتوب إليه . فكان ينهى عنه أشد النهي ، كذا قال الحافظ في فتح الباري . فإن قلت فما وجه التوفيق بين حديث أبي سعيد المذكور وبين حديث أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا ربا إلا في النسيئة " . أخرجه الشيخان ، وغيرهما : قلت : اختلفوا في الجمع بينهما فقيل : إن حديث أسامة منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال ، وقيل : المعنى في قوله : لا ربا ; الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب : لا عالم في البلد إلا زيد . مع أن فيها علماء غيره ، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل ، وأيضا فنفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد ؛ لأن دلالته بالمنطوق ، ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدم ، وقال الطبري : معنى حديث أسامة لا ربا إلا في النسيئة إذا اختلفت أنواع البيع والفضل فيه يدا بيد ربا ، جمعا بينه وبين حديث أبي سعيد ذكره الحافظ .




                                                                                                          الخدمات العلمية