الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب طلاق الأخرس

( قال ) : وإذا طلق الأخرس امرأته في كتاب ، وهو يكتب جاز عليه من ذلك ما يجوز على الصحيح في كتابه ; لأن الأخرس عاجز عن الكلام ، وهو قادر على الكتاب فهو والصحيح في الكتاب سواء ، والأصل أن البيان بالكتاب بمنزلة البيان باللسان ; لأن المكتوب حروف منظومة تدل على معنى مفهوم كالكلام ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة ، وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان ، ثم الكتاب على ثلاثة أوجه : ( أحدها ) أن يكتب طلاقا ، أو عتاقا على ما لا يتبين فيه الخط كالهواء ، والماء ، والصخرة الصماء فلا يقع به شيء نوى أو لم ينو ; لأن مثل هذه الكتابة كصوت لا يتبين منه حروف ، ولو وقع الطلاق لوقع بمجرد نيته ، وذلك لا يجوز .

( الثاني ) أن يكتب طلاق امرأته على ما يتبين فيه الخط ، ولكن لا على رسم كتب الرسالة فهذا ينوي فيه ; لأن مثل هذه الكتابة قد تكون للإيقاع ، وقد تكون لتجربة الخط ، والقلم ، والبياض ، وفيه ينوي كما في الألفاظ التي تشبه الطلاق ، فإن كان صحيحا تبين نيته بلسانه ، وإن كان أخرس تبين نيته بكتابه .

( والثالث ) أن يكتب على رسم كتب الرسالة طلاق امرأته أو عتاق عبده فيقع الطلاق ، والعتاق بهذا في القضاء ، وإن قال : عنيت به تجربة الخط لا يدين في القضاء ; لأنه خلاف الظاهر ، وهو نظير ما لو قال : أنت طالق ، ثم قال : عنيت الطلاق من وثاق ، ثم ينظر إلى المكتوب ، فإن كان كتب : امرأته طالق فهي طالق سواء بعث الكتاب إليها ، أو لم يبعث ، وإن كان المكتوب : إذا وصل إليك كتابي هذا فأنت طالق ، فما لم يصل إليها لا يقع الطلاق ; كما لو تكلم [ ص: 144 ] بما كتب ، فإن ندم على ذلك فمحى ذكر الطلاق من كتابه ، وترك ما سوى ذلك ، وبعث بالكتاب إليها فهي طالق إذا وصل إليها الكتاب ; لوجود الشرط ، ومحوه كرجوعه عن التعليق ، فإن محى الخطوط كلها ، وبعث بالبياض إليها لم تطلق ; لأن الشرط لم يوجد فإن ما وصل إليها ليس بكتاب ، ولو جحد الزوج الكتاب ، وأقامت عليه البينة أنه كتبه بيده فرق بينهما في القضاء ; لأن الثابت بالبينة عليه كالثابت بإقراره .

التالي السابق


الخدمات العلمية