الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 129 ] 22 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من نهيه عن بيع الثنيا

139 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد ، وهو ابن زيد ، عن أيوب ، عن أبي الزبير ، وسعيد بن ميناء ، عن جابر : أن النبي عليه السلام { نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة } . وقال أحدهما : والمعاومة ، وقال الآخر : بيع السنين ، ونهى عن الثنيا . قال : ورخص في العرايا .

[ ص: 130 ]

140 - حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا حماد وهو ابن زيد ، عن أيوب ، عن أبي الزبير ، وسعيد بن ميناء ، عن جابر ، عن النبي عليه السلام أنه { نهى عن المزابنة ، وعن [ ص: 131 ] المحاقلة والمعاومة والمخابرة } . قال أحدهما : وعن بيع السنين ، وعن الثنيا ، ورخص في بيع العرايا .

فكان ظاهر الحديث النهي عن بيع الثنيا مطلقا ، وكان في ذلك إن لم يكن حقيقة بخلاف ظاهره المنع من البيع الذي يكون فيه الثنيا .

فتأملنا ذلك ما روي عن رسول الله عليه السلام في هذا المعنى سوى هذا الحديث ، هل نجد فيه ما يدل على إيضاح حقيقة مراده في ذلك .

141 - فوجدنا ابن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، حدثنا عباد ، وهو [ ابن ] العوام ، عن سفيان بن حسين قال : حدثني الثقة يونس بن عبيد ، عن عطاء ، عن جابر { أن النبي عليه السلام نهى عن بيع الثنيا حتى تعلم } .

فانكشف لنا بذلك حقيقة ما وقع عليه النهي في حديث أبي الزبير ، وسعيد من بيع الثنيا ، وأنها الثنيا ليست بمعلومة ، وأن الثنيا المعلومة بخلافها ، وأن المستثناة فيه جائز ، إذ كانت معلومة ، وإذ كان ما يبقى بعدها من البيع معلوما بثمن معلوم ، وأن عطاء بن أبي رباح حفظ عن جابر فيما حدثهم به من ذلك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحفظه [ ص: 132 ] أبو الزبير ولا سعيد ، فكان بذلك ما روى فيه عن جابر أولى مما روياه فيه عنه .

وقد اختلف أهل العلم في البيع إذا كانت جزءا من أجزاء مبيع . فكان مالك بن أنس يقول في ذلك :

ما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب قال : قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائطه أن [ له أن ] يستثني منه ما بينه وبين ثلث الثمر ، لا يجاوز ذلك ، وما كان من دون الثلث فلا بأس به إذا كان يرى أنه الثلث فأدنى .

وقد خالفه في ذلك أكثر العلماء منهم أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، فأجازوا البيع بهذا الاستثناء ، ولم يفرقوا في ذلك بين المستثنى منه إذا كان دون الثلث أو الثلث ، أو أكثر منه إذ كان ثمر ما يبقى بعده معلوما .

وفي حديث النبي عليه السلام الذي قد رويناه في هذا الباب من حديث عطاء ، عن جابر من نهيه عن بيع الثنيا حتى تعلم ما قد دل على ما قالوا من ذلك إذا كان ما دخل في البيع بعد الثنيا معلوما ، وكان ثمره معلوما ، وكان هذا القول أولى القولين عندنا في ذلك ؛ لموافقة أهل العلم ما قد رويناه عن رسول الله عليه السلام فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية