الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 24 ] فصل

[ حكم الآبار ]

إذا وقعت في البئر نجاسة فأخرجت ثم نزحت طهرت ، وإذا وقع في آبار الفلوات من البعر والروث والأخثاء لا ينجسها ما لم يستكثره الناظر ، وخرء الحمام والعصفور لا يفسدها ( ف ) ، وإذا مات في البئر فأرة أو عصفورة أو نحوهما نزح منها عشرون دلوا إلى ثلاثين ، وفي الحمامة والدجاجة ونحوهما من أربعين إلى ستين ، وفي الآدمي والشاة والكلب جميع الماء ، وإن انتفخ الحيوان أو تفسخ نزح جميع الماء . ويعتبر في كل بئر دلوها ، وإذا لم يمكن إخراج جميع الماء نزح منها مائتا دلو إلى ثلاثمائة .

التالي السابق


فصل

( إذا وقعت في البئر نجاسة فأخرجت ثم نزحت طهرت ) والقياس أنه لا تطهر ، لأنه إذا تنجس الماء تنجس الطين ، فإذا نزح الماء بقي الطين نجسا ، فكلما نبع الماء نجسه لكنا خالفنا القياس بإجماع السلف ، وما روي عنهم من الآثار غير معقول المعنى ، فالظاهر أنهم قالوه سماعا .

[ ص: 24 ] ( وإذا وقع في آبار الفلوات من البعر والروث والأخثاء لا ينجسها ما لم يستكثره الناظر ) لأن آبار الفلوات بغير حواجز ، والدواب تبعر حولها والرياح تلقيها فيها ، فكان في القليل ضرورة دون الكثير . وحده أن يأخذ ربع وجه الماء عن محمد ، وقيل ثلثه ، وقيل أن لا يخلو دلو من شيء منه ، والمختار ما ذكره في الكتاب وهو أن يستكثره الناظر ، وهو المروي عن صاحب المذهب - رضي الله عنه - ، والرطب واليابس والصحيح والمنكسر سواء لعموم البلوى وآبار الأمصار كذلك ، وقيل يعتبر ما ذكرنا من الضرورة .

قال : ( وخرء الحمام والعصفور لا يفسدها ) لأنه ليس ينجس على ما سيأتي إن شاء الله تعالى .

قال : ( وإذا مات في البئر فأرة أو عصفورة أو نحوهما نزح منها عشرون دلوا إلى الثلاثين ) لما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه ينزح منها دلاء ، وعن أنس عشرون دلوا ، وعن النخعي عشرون أو ثلاثون ، فالعشرون للإيجاب والثلاثون للاستحباب ، وعن محمد في الفأرتين عشرون ، وفي الثلاث أربعون ، وعن أبي يوسف في الفأرة عشرون إلى أربع ، وفي الخمس أربعون إلى تسع ، وفي العشر جميع الماء .

قال : ( وفي الحمامة والدجاجة ونحوهما من أربعين إلى ستين ) هكذا روي عن أبي سعيد الخدري ، ولأنها ضعف الفأرة فضعفنا الواجب .

( وفي الآدمي والشاة والكلب جميع الماء ) هكذا حكم ابن عباس وابن الزبير في بئر زمزم حين مات فيها الزنجي ، ولأنه لثقله ينزل إلى قعر البئر فيلاقي جميع الماء .

قال : ( وإن انتفخ الحيوان أو تفسخ نزح جميع الماء ) لأنه لا يخلو عن بلة نجسة فتشيع ، [ ص: 25 ] فصار كما إذا وقعت ابتداء ، ولو وقع الحيوان في البئر ثم أخرج حيا فإن كان طاهرا كالآدمي وما يؤكل لحمه ، فإن لم يكن على بدنه نجاسة لم ينزح شيء ، وإن كان على مخرجه نجاسة نزح الجميع ، وكذلك سباع الطير والوحش وهو الصحيح ، وكذلك البغل والحمار لا يصير الماء مشكوكا فيه ; لأن بدن هذه الحيوانات طاهر ، وإن وصل الماء إلى لعابه أخذ حكمه ، وذكر القدوري : إن كان الرجل محدثا نزح أربعون دلوا ، وإن كان جنبا فالجميع .

وقال محمد : إن نوى الغسل أو الوضوء يصير مستعملا فيفسد وإلا فلا . وعن أبي حنيفة - رضي الله عنه - في الكافر ينزح جميع الماء فإنه لا يخلو بدنه من النجاسة غالبا .

قال : ( ويعتبر في كل بئر دلوها ) لأن السلف أطلقوا فينصرف إلى المعتاد كما في النقود; وعن أبي حنيفة أنه قدره بالصاع .

( وإذا لم يمكن إخراج جميع الماء نزح منها مائتا دلو إلى ثلثمائة ) لأن غالب ماء الآبار لا يزيد على ذلك ، وهذا أيسر على الناس ، وهو المروي عن محمد . وقال أبو حنيفة : ينزح حتى يغلبهم الماء ولم يقدر فيه شيئا ، فيعمل بغلبة الظن ، فيرجع إلى قول رجلين لهما معرفة بذلك . وإذا نزح ما وجب نزحه وحكم بطهارة البئر طهر الدلو والرشا والبكرة ونواحيها ويد المستقى ، مروي ذلك عن أبي يوسف - رحمه الله - .




الخدمات العلمية