الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 655 ] قال الآمدي : هو أن يبين القالب أن ما ذكره المستدل يدل عليه لا له ، أو يدل عليه وله ، والأول قلما يتفق في الأقيسة .

                        ومثله في المنصوص : باستدلال الحنفي في توريث الخال بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : الخال وارث من لا وارث له فأثبت إرثه عند عدم الوارث ، فيقول المعترض : هذا يدل عليك لا لك; لأن معناه نفي توريث الخال بطريق المبالغة ، كما يقال : الجوع زاد من لا زاد له ، والصبر حيلة من لا حيلة له ، أي ليس الجوع زادا ، ولا الصبر حيلة .

                        قال الفخر الرازي في المحصول : القلب معارضة إلا في أمرين :

                        ( أحدهما ) : أنه لا يمكن فيه الزيادة في العلة ، وفي سائر المعارضات يمكن .

                        ( والثاني ) : لا يمكن منع وجود العلة في الفرع والأصل ; لأن أصله وفرعه أصل المعلل وفرعه ، ويمكن ذلك في سائر المعارضات ، أما فيما وراء هذين الوجهين فلا فرق بينه وبين المعارضة .

                        قال الهندي : والتحقيق أنه دعوى; لأن ما ذكره المستدل عليه لا له في تلك المسألة على ذلك الوجه انتهى . وجعله ابن الحاجب وشراح كلامه قسمين :

                        ( أحدهما ) : تصحيح مذهب المعترض ، فيلزم منه بطلان مذهب المستدل; لتنافيهما .

                        ( وثانيهما ) : إبطال مذهب المستدل ابتداء ، إما صريحا أو بالالتزام . ومثال [ ص: 656 ] الأول يقول الحنفي : الاعتكاف يشترط فيه الصوم; لأنه لبث ، فلا يكون بمجرده قربة ، كالوقوف بعرفة .

                        فيقول الشافعي : فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة .

                        ومثال الثاني : أن يقول الحنفي في أنه يكفي مسح ربع الرأس : عضو من أعضاء الوضوء ، فلا يكفي أقله ، كسائر الأعضاء ، فيقول الشافعي : فلا يقدر بالربع ، كسائر الأعضاء ، هذا الصريح .

                        وأما الالتزام : فمثاله أن يقول الحنفي : بيع غير المرئي بيع معاوضة ، فيصح مع الجهل بأحد العوضين ، كالنكاح ، فيقول الشافعي : فلا يثبت فيه خيار الرؤية ، كالنكاح .

                        وقد ذهب إلى اعتبار هذا الاعتراض الجمهور ، وأنه قادح .

                        وأنكره بعض أهل الأصول ، وقال : إن الحكمين ، أي ما يثبته المستدل ، وما يثبته القالب ، إن لم يتنافيا; فلا قلب ، إذ لا منع من اقتضاء العلة الواحدة لحكمين غير متنافيين ، وإن استحال اجتماعهما في صورة واحدة ، فلم يمكن الرد إلى ذلك الأصل بعينه; فلا يكون قلبا; إذ فيه من الرد إلى ذلك الأصل .

                        وأجاب الجمهور عن هذا بأن الحكمين غير متنافيين لذاتهما ، فلا جرم يصح اجتماعهما في الأصل ، لكن قام الدليل على امتناع اجتماعهما في الفرع ، فإذا أثبت القالب الحكم الآخر في الفرع بالرد إلى الأصل ; امتنع ثبوت الحكم الأول ، وظاهر كلام إمام الحرمين أنه لازم جدلا لا دينا .

                        وقال أبو الطيب الطبري : إن هذا القلب إنما ذكره المتأخرون من أصحابنا حيث استدل أبو حنيفة بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا ضرر ولا ضرار في مسألة [ ص: 657 ] الساحة قال : وفي هدم البناء ضرار بالغاصب ، فقال له أصحابنا : وفي بيع صاحب الساحة لساحته إضرار به .

                        قال ومن أصحابنا من قال : لا يصح سؤال القلب ، قال : وهو شاهد زور ، يشهد لك ويشهد عليك ، قال : وهذا باطل ; لأن القالب عارض المستدل بما لا يمكن الجمع بينه وبين دليله ، فصار كما لو عارضه بدليل آخر .

                        وقيل : هو باطل ، إذ لا يتصور إلا في الأوصاف الطردية .

                        ومن أنواع القلب : جعل المعلول علة ، والعلة معلولا ، وإذا أمكن ذلك تبين أن لا علة ، فإن العلة هي الموجبة ، والمعلول هو الحكم الواجب لها .

                        وقد فرقوا بين القلب والمعارضة بوجوه :

                        منها ما قدمنا عن الفخر الرازي .

                        وقال القاضي أبو الطيب الطبري ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي : إنه معارضة ، فإنه لا يفسد العلة .

                        وقال ابن الحاجب في " مختصر المنتهى " والحق أنه نوع معارضة ، اشترك فيه الأصل والجامع ، فكان أولى بالقبول .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية