الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1320 [ ص: 174 ] 93 - باب: .

                                                                                                                                                                                                                              1386 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جرير بن حازم، حدثنا أبو رجاء، عن سمرة بن جندب قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ ". قال: فإن رأى أحد قصها، فيقول ما شاء الله، فسألنا يوما، فقال: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟ ". قلنا: لا. قال: " لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فإذا رجل جالس، ورجل قائم بيده كلوب من حديد -قال بعض أصحابنا عن موسى: إنه- يدخل ذلك الكلوب في شدقه، حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله. قلت ما هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر -أو صخرة- فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه، قلت: من هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة. فقلت: من هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم على وسط النهر [قال يزيد ووهب بن جرير، عن جرير بن حازم: وعلى شط النهر] رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان. فقلت: ما هذا؟ قال: انطلق.

                                                                                                                                                                                                                              فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي في الشجرة، وأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب، [ ص: 175 ] ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، فيها شيوخ وشباب. قلت: طوفتماني الليلة، فأخبراني عما رأيت. قالا: نعم، أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة، والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة. والذي رأيته في الثقب فهم الزناة. والذي رأيته في النهر آكلو الربا، والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم - عليه السلام - والصبيان حوله فأولاد الناس، والذي يوقد النار مالك خازن النار. والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب. قالا: ذاك منزلك. قلت دعاني أدخل منزلي. قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملت أتيت منزلك".
                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 845 - مسلم: 2275 - فتح: 3 \ 251]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث سمرة بن جندب قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ .. " الحديث، وفيه: "لكني رأيت الليلة .. " فقصها بطولها، ويأتي في التعبير آخر الكتاب ، وساقه عقب ما قيل في أولاد المشركين; لأنه ذكر في الرؤيا: وفي أصل الروضة شيخ وصبيان، وأما الشيخ في أصل الشجرة إبراهيم، والولدان حوله فأولاد الناس.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر في التعبير: "وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة". قال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: "وأولاد المشركين" وهذه حجة قاطعة، وكذا رواية البخاري : "والصببان حوله أولاد الناس". لأن هذا اللفظ يقتضي عمومه لجميع [ ص: 176 ] الناس مؤمنهم وكافرهم، وقد أسلفنا أن هذا القول هو المختار.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : إنه أصح ما في الباب من طريق الآثار وصحيح الاعتبار .

                                                                                                                                                                                                                              والكلوب في الحديث -ويقال: الكلاب-: المنشال وهي: حديدة ينشل بها اللحم من القدر، قاله الجوهري . وعبارة ابن بطال : هو خشبة في رأسها عقافة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("تدهده") أي: تدحرج. والفهر: الحجر ملء الكف.

                                                                                                                                                                                                                              والصخرة: الحجر العظيمة. قال يعقوب، تسكن الخاء وتفتح.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فانطلقت إلى ثقب مثل التنور") هو بإسكان القاف، أي: فتح. وضبطه بعضهم هنا بفتحها، وأنكره بعض أهل اللغة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فإذا فترت ارتفعوا") كذا وقع في رواية الشيخ أبي الحسن: "فترت" ولأبي ذر "أفترت"، وصوابه كما قال ابن التين: قترت -بالقاف- ومعناه: ارتفعت. أي: لهبت وارتفع فوارها; لأن القتر: الغبار. قال الجوهري : قتر اللحم يقتر -بالكسر- إذا ارتفع قتاره، وقتر بالكسر لغة فيه ، وأما فترت -بالفاء- فما علمت له وجها; لأن بعده: "فإذا خمدت رجعوا" ومعنى خمدت وفترت -بالفاء- واحد. وأما "أفترت" فذكره الهروي وقال: هو مثل فترت.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("حتى كاد يخرجوا") هو منصوب بتقدير أن، وقد روي بإثباتها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 177 ] وقوله: ("وعلى وسط النهر") كذا في رواية، وفي أخرى، وهي ما في التعبير: "شط النهر" وهو: الوجه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("وفي أصلها شيخ وصبيان") يريد: الذين هم في علم الله من أهل السعادة من أولاد المسلمين. قاله أبو عبد الملك، وقد أسلفنا ما يرده.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("والذي رأيته يشدخ رأسه رجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يفعل فيه بالنهار") كذا هنا، وفي التعبير: "فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة".




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية